HIDUP ADALAH UJIAN

SELAMAT DATANG DI BLOG " KHAIRUL IKSAN "- Phone : +6281359198799- e-mail : khairul.iksan123@gmail.com

Minggu, 02 April 2023

كيف نفهم النصوص التي توهم التشبيه و اختلاف العلماء فيه

 


الموضوع : كيف نفهم النصوص التي توهم التشبيه

رقم الفتوى: 3451

التاريخ : 22-01-2019

التصنيف: الإلهيات

نوع الفتوى: بحثية

المفتي : لجنة الإفتاء× Close

السؤال:

ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة كلمات مثل: "يد الله، عيني، استوى، يمكر الله، الله يستهزئ، ..الخ" من الكلمات التي قد يتوهم بعض الناس منها ما لا يليق بالله تعالى، فكيف نتعامل مع هذه الكلمات؟ هل نثبت قدراً من التشابه ونفوّض الكيفية؟ أم نفوّض المعنى بالكلية؟ أم نتأوّلها؟ هل يعدّ التأويل تحريفاً؟ هل كلها مذاهب مقبولة عند أهل السنة والجماعة؟ ولماذا جعلها الله تعالى في كتابه العزيز وهي مثار خلاف بين المسلمين؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

الإيمان بالله تعالى يقتضي تنزيهه عن كلّ ما لا يليق به، كمشابهة المخلوقات والاتّصاف بصفات المحدثات من التركّب والتحيّز، وهذا ما تدلّ عليه النصوص المحكمة، كقول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى/11، وقول الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} الإخلاص/1-4.

وما ورد في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم من الألفاظ التي قد توهم ظواهرها اللغوية تشبيه الله تعالى بخلقه، لا يجوز حملها على ظاهرها اللغوي ومعناها الحقيقي، كلفظ العين واليد والوجه والاستواء وغيرها من الألفاظ التي وضعت في اللغة العربية للدلالة على الأعضاء والجوارح وتستلزم مشابهة الخلق، وإنما لم يجز حملها على ما يظهر من حقيقتها اللغوية لأن ذلك يوهم تشبيه الله بخلقه، قال ابن الجوزي الحنبليّ منكراً على المشبهة والمجسمة: "وقد أخذوا بالظواهر في الأسماء والصفات، فسمّوها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا إلى إلغاء ما توجبه الظواهر من سمات الحدث" [دفع شبه التشبيه ص19].

وقد أجمع علماء أهل السنة والجماعة أنّ السبيل في فهم هذه الآيات المتشابهة هو تنزيه الله تعالى، وذلك بصرف الآيات عن ظواهرها اللغوية التي تثبت لله تعالى ما لا يليق به، وتفسيرها بمعانٍ لائقة بجلال الله تعالى وكماله باستعمال أساليب العربية المتنوعة من استعارة ومجاز وتوسع، وذلك بردّ هذه المتشابهات إلى الآيات المحكمات مع نفي ما لا يليق بالله تعالى.

ولأهل السنة والجماعة من المفسرين والمتكلمين بعد التنزيه مذهبان في التعامل مع هذه الآيات، وهما: التأويل أو التفويض، قال الإمام النووي الشافعيّ: "هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان: تقدم ذكرهما مرات في كتاب الإيمان، أحدهما: الإيمان به من غير خوض في معناه، مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقات، والثاني: تأويله بما يليق به" [شرح صحيح مسلم 5/ 20-21]، وجاء في [شرح المقدمة الحضرمية 1/ 55]: "وأما ما ورد في الكتاب والسنة مما يوهم جسمية أو جهة أو غيرهما مما هو منزه عنه، فمصروف عن ظاهره إجماعاً؛ لمخالفته للأدلة العقلية"، وقال الإمام اللقاني المالكي في جوهرة التوحيد: "وكُلُّ نَصٍّ أَوهَمَ التَّشبيها ... أَوِّلْهُ أو فَوِّضْ ورُمْ تنزيهاً"، وقال الإمام النفراوي المالكي: "فعلم بما ذكرنا أن كلاً من أهل الطريقتين تؤول المتشابه بصرفه عن ظاهره لاستحالته، وافترقا بعد صرفه عن ظاهره المستحيل في بيان معناه على التعيين والتفصيل، فالسلف يفوضون علم ذلك لله تعالى، والخلف تؤوله تأويلاً تفصيلياً بحمل كل لفظ على شيء معين خاصّ" [الفواكه الدواني 1/ 51]، فالتفويض عند السلف هو صرف اللفظ عن حقيقته اللغوية؛ لأنها لا تجوز على الله تعالى أصلاً، ثمّ عدم الخوض في تعيين المعنى وتفصيله، لشدة تورعهم عن ذلك، وإن كان ذلك جائزاً في الشرع، ومنه يعلم أن التأويل التفصيلي ليس تحريفاً، إذ التحريف هو اختراع معانٍ لم يدلّ عليها الدليل الصحيح، وتناقض العقل والنقل.

وتلخيص القول أن السّلف والخلف متفقون على نفي أية مشابهة بين الله تعالى وخلقه، ومتفقون على نفي كل ما لا يليق بالله تعالى، ولو كان ذلك المنفيّ وارداً في ظاهر آية كريمة أو حديث شريف، وإنما حصل الخلاف بين بعض السّلف وبعض الخلف في تعيين المعنى المراد من هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، فبعض السّلف فوّضوا وتوقفوا في بيان المعنى المراد، وبعض الخلف وضّحوا المعنى المراد وبيّنوه بحسب الدلالات اللغوية والأساليب العربية ودلالة السياق.

وإنما اختار بعض السّلف مذهب التفويض لقلة الشّبه في زمانهم ومعرفتهم بلسان العرب واشتغال الناس بالعبادات وتورّعهم عن الخوض في التشبيه والتجسيم، فلما تغيّر ذلك وضَعُفَ الفهم واستعجم اللسان على الناس ودخلت شبه التشبيه والتجسيم اختارَ كثير من الخلف طريقة التأويل، وأخذوا يبينون المعنى المراد بوضوح يقطع الشبه والاحتمالات.

وأمّا إذا انتشر الفهم الباطل لهذه النصوص المتشابهة، وابتعد الناس عن المنهج السليم، واختلطت عقائد الحق بشبهة التجسيم، فإنّ الراجح من الطريقتين هو التأويل التفصيلي، قال النفراوي: "ومال إلى ترجيحها العز بن عبد السلام، حيث قال: هي أقرب الطريقين إلى الحق، وإمام الحرمين مال مرّة إلى طريق الخلف، ومرة إلى طريق السلف، وهذا الخلاف حيث لا تدعو ضرورة إلى التأويل، وإلا اتفق على وجوب التأويل التفصيلي، وذلك بأنْ تحصل شبهة لا ترتفع إلا به" [الفواكه الدواني 1 /51-52]، وأما حكم من يشبّه الله تعالى بخلقه فهو أن يعلّم الصواب بالحكمة والموعظة الحسنة.

وعليه؛ فإنّ أهل السنة والجماعة أجمعوا على عدم جواز إثبات أي قدر من المشابهة بين الله وبين خلقه، وأجمعوا على أنّ النصوص التي توهم المشابهة ينبغي صرفها عن ظاهر حقيقتها اللغوية التي تفيد التشبيه، وهو ما يسمى بالتأويل الإجمالي، وبعد ذلك لأهل السنة طريقتان مقبولتان فقط: إما أن تأوّل تأويلاً تفصيلياً، وهو الراجح في زمن الفتن وشيوع التشبيه والتجسيم، أو يفوض علمها إلى الله تعالى، وهو الراجح في زمن سلامة العقائد والقلوب، والله تعالى حكيم جعل كل شيء في كتابه محكماً بمقدار. والله تعالى أعلم.

دار الإفتاء - كيف نفهم النصوص التي توهم التشبيه (aliftaa.jo)

دار الإفتاء - كيف نفهم النصوص التي توهم التشبيه (aliftaa.jo)

 

اختلاف العلماء في تفهيم النصوص التي توهم التشبيه

 

قال إمام الحرمين في الرسالة النظامية (32-33): وقد اختلف مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواها، وإجراؤها على موجب ما تبتدره أفهام أرباب اللسان منها، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم هذا المنهج في آي الكتاب وما يصح من سنن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى.  والذي نرتضيه رأياً، وندين الله به عقلاً، اتباع سلف الأمة، فالأول الاتباع وترك الابتداع، والدليل السمعي القاطع في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة، وهو مستند معظم الشريعة،   وقد درج صحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ورضي الله عنهم –على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها، وهم صفوة الأمة والمستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهداً في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الآيات والظواهر مسوغاً ومحتوماً، لا شك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة . وإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين على الاضراب عن التأويل كان ذلك قاطعا بأنه الوجه المتبع، فحق على ذي دين أن يعتقد تنزه الباري عن صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى الرب تبارك وتعالى. انتهى.

قال الحافظ ابن حجر بعد نقله لكلام إمام الحرمين (فتح الباري 15//366) وقد تقدم النقل أي نقل الانكفاف عن التأويل –عن أهل العصر الثالث، وهم فقهاء الأمصار كالثوري والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم، وكذا من أخذ عنهم من الأئمة، فكيف لا يوثق بما اتفق عليه القرون الثلاثة، وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة  وقسم بعضهم أقوال الناس في هذا الباب إلى ستة أقوال قولان لمن يجريها على ظاهرها أحدهما من يعتقد أنها من جنس صفات المخلوقين وهم المشبهة ويتفرع من قولهم عدة آراء والثاني من ينفي عنها شبه صفة المخلوقين لأن ذات الله لا تشبه الذوات فصفاته لا تشبه الصفات فإن صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته وقولان لمن يثبت كونها صفة ولكن لا يجريها على ظاهرها أحدهما يقول لا نؤول شيئا منها بل نقول الله أعلم بمراده والآخر يؤول فيقول مثلا معنى الاستواء الاستيلاء واليد القدرة ونحو ذلك وقولان لمن لا يجزم بأنها صفة أحدهما يقول يجوز أن تكون صفة وظاهرها غير مراد ويجوز أن لا تكون صفة والآخر يقول لا يخاض في شيء من هذا بل يجب الإيمان به لأنه من المتشابه الذي لا يدرك معناه  

قال الزبيدي في الإتحاف ( 2  /111-112) بعد نقله لكلام الحافظ ابن حجر قلت: وإلى هذا مال المصنف –الغزالي- في "إلجام العوام" فقد عقد في الكف عن التأويل والخوض فيه باباً، وذكر فيه ثلاث أمثلة: مثالا في الفوقية، ومثالا في الاستواء، ومثالا في النزول، وقال في أول كتابه المذكور: إن الحق الصريح الذي لا مراء فيه هو مذهب السلف أعني مذهب الصحابة والتابعين. ثم قال الزبيدي: وقال الحافظ ابن حجر: لأهل الكلام في هذه الصفات، كالعين والوجه واليد ثلاثة أقوال:

أحدها: إنها صفات ذات أثبتها السمع، ولا يهتدي إليها العقل.

الثاني  : أن العين كناية عن صفة البصر، والوجه كناية عن صفة الوجود.

الثالث: إمرارها على ما جاءت به مفوضاً معناها إلى الله تعالى. انتهى.

أقول: إن الانكفاف عن التأويل المنسوب إلى السلف يشمل القولين الأول والثالث، فللسلف في المسألة قولان: بعضهم صرح بكونها صفات، منهم الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر  والإمام أبو الحسن الأشعري في الإبانة، والبعض الآخر لم يصرح بهذا كما لم يتعرض للمعنى، وقد بين السبكي القول الثاني من الأقوال الثلاثة المتقدمة وهو القول بالتأويل بياناً واضحا وفصله، فقال في شرحه لعقيدة ابن الحاجب: أهل التأويل اختلفوا على طريقين:

الأول: طريق الأقدمين كابن فورك بحملها على مجازاتها الراجعة إلى الصفات الثابتة عقلاً وسمعاً.

الثاني: طريق المتأخرين، وهي التي كانت مركوزة في قلوب السلف قبل دخول العجمة برد هذه المتشابهات إلى التمثيل الذي يقصد به تصوير المعاني العقلية بإبرازها في الصور الحسية قصداً إلى كمال البيان. انتهى. نقله الزبيدي في الإتحاف (2/112).

وقد ذهب إلى هذا الطريق الأخير كثير من المحققين منهم السعد التفتازاني في شرح المقاصد والسيد الشريف الجرجاني قال في شرح المواقف (8  //129114): ومن كان له قدم راسخ في علم البيان حمل أكثر ما ذكر من الآيات والأحاديث المتشابهة على التمثيل والتصوير، وبعضها على الكناية، وبعضها على المجاز مراعياً لجزالة المعنى وفخامته، ومجانباً عما يوجب ركاكته، فعليك بالتأمل فيها، وحملها على ما يليق بها، والله المستعان وعليه التكلان.

قال ابن أبي شريف في شرح المسايرة (36): ومال الشيخ عز الدين بن عبد السلام إلى التأويل، فقال في بعض فتاواه" طريقة التأويل بشرطها أقربهما إلى الحق، ويعني بشرطها أن يكون على مقتضى لسان العرب.

وتوسط ابن دقيق العيد، فقال: يقبل التأويل إذا كان المعنى الذي أول به قريباً مفهوماً من تخاطب العرب، ويتوقف فيه إذا كان بعيداً انتهى، يقصد الإمام ابن دقيق رد هذه المتشابهات إلى التمثيل الذي ذكره السبكي، ويعني به الكناية أو المجاز المركب الذي ذهب إليه كثير من المحققين منهم التفتازاني والسيد الشريف الجرجاني. ونقل بعض العلماء كلام ابن دقيق العيد بوجه مختصر محرر، فقال : قال الإمام المجتهد ابن دقيق العيد: إن كان التأويل من المجاز البين الشائع فالحق سلوكه من غير توقف، أو من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه، وإن استوى الأمران فالاختلاف في جوازه وعدم جوازه مسألة فقهية اجتهادية، والأمر فيه ليس بالحظر بالنسبة إلى الفريقين انتهى. أقول:وهو كلام نفيس متين ينبئ عن علم جم، وصراحة في بيان الحق، وتوسط حكيم.

ثم أقول: مذهب الإمام ابن دقيق العيد هو الفيصل في المسألة، فإنه إذا كان المعنى المجازي للنص مفهوماً من تخاطب العرب بحيث لا يفهم العربي من ذلك النص إلا ذلك المعنى المجازي، كان ذلك النص من قبيل المجاز المشهور، والحقيقة المهجورة، فيكون صرفه عن ذلك المعنى المجازي تحريفاً للكلم عن مواضعه، كيف وكثير من تلك النصوص لو ترجمت ترجمة حرفية إلى لغة أخرى لما فهم منها أهل تلك اللغة إلا المعاني المجازية لها، فكيف يجوز إذن صرفها عن تلك المعاني؟ وهل ورد القرآن إلا على أساليب لغة العرب، وذلك مثل قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) (الملك: من الآية1)والملك بالضم الملوكية والسلطنة، فإنه لا أحد يفهم من الآية إلا إثبات الملوكية والسلطنة لله تعالى، ولا أحد يفهم منها إثبات اليد لله تعالى، وأن الملك متصل بها أو حال فيها، كيف والملك أمر معنوي لا يوصف بكونه متصلا باليد أو حالا فيها، ومثل قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) فإنه لا أحد يفهم منه إلا أن قلوب بني آدم طوع إرادته تعالى وقدرته لا إثبات الإصبعين له تعالى، وأنهما في جوف كل واحد من بني آدم آخذتين قلوبهما، وقد أشار السبكي إلى هذا بقوله: (وهي التي كانت مركوزة في قلوب السلف قبل دخول العجمة) كما أشار به إلى أنه ليس في حملها على هذه المعاني مخالفة للسلف، بل إن حملها عليها حمل لها على معان كان يتذوقها السلف منها، وإنما لم يصرحوا بها احتياطاً وسداً لباب التأويل لما في فتحه من خطر توسيعه إلى حد ليس بمقبول عندهم، ولأجل الاحتياط قال ابن دقيق: يقبل التأويل، ولم يقل ويؤول.

وما أحكم قول ابن دقيق: "ويتوقف إن كان بعيداً" و ليت المتأخرين من العلماء توقفوا عند هذا الحد الذي رسمه هذا الإمام الجهبذ سيد المحققين، ولم يغلوا في التأويل، ولم يجلبوا على أنفسهم النكير والشر المستطير فإن كثيراً من تأويلاتهم قد أخذوها عن المعتزلة. وقد كان السلف ينكرونها عليهم، ويبدعونهم من أجلها.

وراجع ما كتبه المتقدمون في هذا المجال، كالفقه الأكبر لأبي حنيفة والعقيدة المسماة ببيان أهل السنة للطحاوي، وكتب الإمام أبي الحسن الأشعري، ومن أجود الكتب المصنفة في هذا الباب كتاب "الأسماء والصفات" للبيهقي.قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر: وله تعالى يد ووجه ونفس بلا كيف كما ذكره الله في القرآن، ثم قال: ولا يقال: يده قدرته أو نعمته لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال، ولكن يده صفته بلا كيف.

وقال أيضاً: وغضبه ورضاه من صفاته بلا كيف، ولا يقال: غضبه عقوبته، ورضاه ثوابه.

وقد ظهر بهذا التحقيق أن قول من قال: (طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم واحكم) ليس بصحيح على إطلاقه، وإنما يصح كما قال البياضي (193) فيما ظهر تأويله إذ لا إحكام بدونه، وهو ما جرى عليه ابن دقيق العيد، وفسر البياضي في موضع آخر من كتابه قولهم: (اعلم) بأن مذهب الخلف يحتاج إلى مزيد من العلم.

كما ظهر أن السلف والخلف مجمعون على أن ظواهر هذه النصوص غير مرادة، وأنها مصروفة عن هذه الظواهر إلا أن السلف لا يعينون المعنى المراد وأما الخلف فيعينونه، ومن أجل ذلك قال كثير من العلماء إن السلف يؤولون تأويلاً إجمالياً، والخلف يؤولون تأويلاً تفصيلياً.

وأما الذين يمتنعون عن التأويل رأساً، ويجرون هذه النصوص على ظواهرها تمسكاً بأنه يجب الأخذ بظواهر النصوص، فيقال لهم: أليس الله تعالى يقول: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5) ويقول: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) (الحديد: من الآية4)  ويقول: (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (فصلت: من الآية54) فإذا أخذنا بظاهر هذه الآيات يكون الله تعالى على العرش وعندنا ومعنا ومحيط بالعالم محدقاً به بالذات في حالة واحدة، والواحد يستحيل أن يتصف في حالة واحدة بهذه الصفات كلها لتنافيها، فإن قالوا: قوله تعالى: (وهو معكم) يعني بالعلم.  وقوله تعالى: ( وهو بكل شيء محيط) المراد إحاطة العلم كما حملها عليه السلف ومنهم الإمام أحمد، قلنا فكذلك يصرف قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5) عن ظاهره ويؤول إما بالتأويل الإجمالي أو بالتأويل التفصيلي المقبول.

قال الإمام القشيري في التذكرة الشرقية عن هؤلاء الذين يمتنعون عن التأويل رأساً: إن هؤلاء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدون حقيقة التشبيه، غير أنهم يدلسون ويقولون: يدٌ لا كالأيدي، وقدم لا كالأقدام، واستواء بالذات لا كما نعقل فيما بيننا، فليقل المحقق: هذا كلام لابد من استبيانه، فإن بين قولكم: نجري الأمر على الظاهر وقولكم: لا يعقل معناه تناقض، فإذا أجريت على الظاهر فظاهر "الساق" في قوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) (القلم: من الآية42) هو العضو المشتمل على الجلد واللحم والعظم والعصب والمخ، فإن أخذت بهذا الظاهر، والتزمت بالإقرار بهذه الأعضاء فهو الكفر، وإن لم يمكنك الأخذ بها فأين الأخذ بالظاهر؟ ألست قد ذكرت الظاهر؟ وعلمت تقدس الرب عما يوهم الظاهر، فكيف يكون أخذاً بالظاهر؟ ثم قال القشيري:

وفي لغة العرب ما شئت من التجوز والتوسع في الخطاب، وكانوا يعرفون موارد الكلام، ويفهمون المقاصد، فمن تجافى عن التأويل فذلك لقلة فهمه بالعربية، ومن أحاط بطرف من العربية هان عليه درك الحقائق، انتهى منقولاً عن إتحاف السادة المتقين (2/110-111) مصححاً ما وقع فيه من الأخطاء المطبعية.

قال الإمام الغزالي في كتابه "إلجام العوام عن علم الكلام": ويجب الإمساك عن التصرف في الألفاظ الواردة في نصوص الصفات بالتصريف والتبديل بلغة أخرى والزيادة فيه والنقص منه والجمع، والتفريق، بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ، وعلى ذلك الوجه من الإيراد والإعراب والتصريف والصيغة

ومعنى الإمساك عن التصريف أنه إذا ورد قوله تعالى: (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف: من الآية54) فلا ينبغي أن يقال: مستو ويستوي لأن المعنى يجوز أن يختلف، فإن دلالة قولنا: مستو على العرش على الاستقرار أقوى من قوله (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش) (الأعراف: من الآية54)

 ثم قال الغزالي في بيان عدم الجمع بين متفرق: ولقد بعد عن التوفيق من صنف كتاباً في جمع هذه الأخبار خاصة، ورسم في كل عضو بابا، فقال: باب في إثبات الرأس، وباب في إثبات اليد، وباب في إثبات العين إلى غير ذلك وسماه كتاب الصفات، فإن هذه كلمات صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أوقات متفرقة متباعدة اعتماداً على قرائن مختلفة تفهم السامعين معاني صحيحة، فإذا ذكرت مجموعة مثال خلق الإنسان صار جمع تلك المتفرقات في السمع دفعة واحدة قرينة عظيمة في تأكيد الظاهر وإيهام التشبيه، وصار الإشكال في أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لِمَ نطق بما يوهم خلاف الحق؟ أعظم في النفس وأوقع .. فلذلك لا يجوز جمع المتفرقات،

 ثم قال: وأما التفريق بين المجتمعات فإنه كذلك لا يجوز، لأن كل كلمة سابقة على كلمة أو لاحقة لها مؤثرة في تفهيم معناها، ومرجحة للاحتمال الضعيف فيه، فإذا فرقت وفصلت سقطت دلالتها، مثال ذلك قوله تعالى: (الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) (الأنعام: من الآية18)ولا يسلط على أن يقول القائل: وهو فوق مطلقاً لأنه إذا ذكر القاهر قبله ظهر دلالة الفوق على الفوقية التي للقاهر مع المقهور، وهي فوقية الرتبة، ولفظ القاهر يدل عليه، بل لا يجوز أن يقال: وهو القاهر فوق غيره، بل ينبغي أن يقول: فوق عباده، لأن ذكر العبودية في وصف من الله فوقه يؤكد احتمال فوقية السيادة إذ يحسن أن يقال: السيد فوق عبده، والأب فوق الابن، والزوج فوق الزوجة، ولا يحسن أن يقول: زيد فوق عمرو قبل أن يبين تفاوتهما في معنى السيادة والعبودية، أو غلبة القهر، أو نفوذ الأمر بالسلطنة أو بالأبوة أو بالزوجية، فهذه دقائق يغفل عنها العلماء، فضلاً عن العوام … ولأجل هذه الدقائق بالغ السلف في الجمود والاقتصار على موارد التوقيف كما ورد وعلى الوجه الذي ورد، وباللفظ الذي ورد، والحق ما قالوه، والصواب ما رأوه، فأهم المواضع بالاحتياط ما هو تصرف في ذات الله وصفاته، وأحق المواضع بإلجام اللسان، وتقييده عن الجريان ما يعظم فيه الخطر، وأي خطر أعظم من الكفر؟.

ومما ينبغي التنبيه عليه أن السلف مجمعون على التأويل التفصيلي في بعض النصوص كما تقدمت الإشارة إليه،

قال الإمام الخطابي رحمه الله تعالى: الكلام عن الصفات ثلاثة أقسام:

قسم يحقق: كالعلم والقدرة ونحوها.

وقسم يحمل على ظاهره، ويجرى بلفظه الذي جاء به من غير تأويل: كاليد والوجه ونحو ذلك، فإنها صفات لا كيفية لها، فلا يقال: معنى اليد النعمة والقوة، ولا معنى الوجه الذات، على ما ذهب إليه نفاة الصفات.

وقسم يؤول ولا يجرى على ظاهره، كقوله عليه الصلاة والسلام إخباراً عن الله تعالى: (من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً) الحديث رواه الشيخان، لا أعلم أحداً من العلماء أجراه على ظاهره، بل كل منهم تأوله على القبول من الله لعبده، وحسن الإقبال عليه، والرضا بفعله، ومضاعفة الجزاء له على صنعه، وذكر حديث (لما خلق الله الرحم تعلقت بحقوي الرحمن) قال: لا أعلم أحداً من العلماء حمل الحقو على ظاهر مقتضاه في اللغة، وإنما معناه اللياذ والاعتصام، تمثيلاً له بفعل من اعتصم بحبل ذي عزة، واستجار بذي ملكة وقدرة.

وقال البيهقي في الأسماء والصفات (349): ومعناه عند أهل النظر: استجارت واعتصمت به انتهى.

وقال بعضهم: قوله: تعلقت بحقوى الرحمن (فأخذت بحقو الرحمن) معناه فاستجارت بكنفي رحمته، والأصل في الحقو معقد الإزار، ولما كان من شأن المستجير أن يتمسك بحقوي المستجار به –وهما جانباه الأيمن والأيسر استعير الأخذ بالحقو في اللياذ بالشيء. تقول العرب عذت بحقو فلان. أي استجرت به واعتصمت، نقله الشيخ مرعي الحنبلي في كتابه "أقاويل الثقات، ثم قال:

قلت ومما اتفقوا على تأويله .. قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) (الحديد: من الآية4) ونحوه مما مر، فإن المعية محمولة على معية العلم والإحاطة والمشاهدة، كما قال الله تعالى لموسى وهارون (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طـه: من الآية46) وكذا قوله عليه الصلاة والسلام: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض) أي محل عهده الذي أخذ به الميثاق على بني آدم.

وكذا قوله عليه الصلاة والسلام – حكاية عن الله-: (عبدي مرضت فلم تعدني، فيقول: رب: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض، فلو عدته لوجدتني عنده، عبدي جعت فلم تطعمني، فيقول: رب، كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلاناً جاع، فلو أطمعته لوجدت ذلك عندي).

قال ابن تيمية رحمه الله: فى تفسير هذا الحديث إنه تعالى إنما أراد بذلك مرض وجوع عبده، لقوله: (لَوَجَدْتَ ذلك عندي) ولم يقل: لوجدتني إياه، لأن المحب والمحبوب كالشيء الواحد من حيث يرضى أحدهما ويبغض أحدهما ما يرضاه الآخر أو يبغضه، ولهذا قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) (الفتح: من الآية10) (من أقاويل الثقات 183-185) أقول: وهذا الذي نقلناه عن الخطابي والبيهقي والمقدسي وابن تيمية يؤيد الرأي الذي ذهب إليه ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى، والله أعلم.

وإتماماً لهذا البحث ننقل ما يلي عن الإحياء وشرحه للزبيدي.

قال الإمام الغزالي: (وغلا الآخرون في حسم الباب) أي سد باب التأويل مطلقاً، وهم السلف (منهم الإمام أحمد بن حنبل حتى منع تأويل قوله تعالى: كن فيكون) وهذا يعني سد باب التأويل على الإطلاق وهو المفهوم من ظاهر مذهبه، كما نقله الثقات عنه (وزعموا) أي اتباعه ومقلدوه (أن ذلك خطاب) من الله تعالى (بحرف وصوت يوجد من الله تعالى في كل لحظة بعدد كون كل مكون، حتى سمعت بعض أصحابه يقول: إنه حسم باب التأويل إلا لثلاثة ألفاظ) وردت، أحدهما: (قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: الحجر الأسود يمين الله في أرضه) قال العراقي: أخرجه الحاكم، وصححه من حديث عبد الله بن عمر بلفظ الحجر يمين الله في الأرض …، ومعنى يمين الله أنه بمنزلة يمينه، ولما كان كل ملك إذا قدم عليه الوفد قبل يمينه، والحاج أول ما يقدم يسن له تقبيله، فلذا نزل منزلة يمين الكعبة (كذا) (ولعل الصواب: منزلة يمين الله).

والثاني: (قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن) أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمر.

والثالث: (قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن) أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة في حديث قال فيه: وأجد نفس ربكم من قبل اليمن، ورجاله ثقات، قاله العراقي.

(ومال إلى الحسم أرباب الظواهر. والظن بأحمد بن حنبل أنه علم أن الاستواء ليس هو الاستقرار على شيء، والنزول ليس هو الانتقال) من مكان إلى مكان (ولكنه منع التأويل حسماً للباب، ورعاية لصلاح الخلق فإنه إذا فتح الباب اتسع الخرق، وخرج عن حد الضبط، وجاوز) مرتبة الاقتصاد، إذ حد الاقتصاد لا ينضبط بقاعدة (فلا بأس بهذا الزجر) والمنع وسد الباب (وتشهد له سيرة السلف، فإنهم كانوا يقولون: أمروها كما جائت) روى الحسن بن إسماعيل الضراب في مناقب مالك من طريق الوليد بن مسلم قال: سألت مالكاً والأوزاعي وسفيان وليثاً عن هذه الأحاديث التي ورد فيها ذكر الرؤية والصورة والنزول، فقالوا: اوردوها كما جائت … قال ابن اللبان: قد كان السلف الصالح نهوا الناس عن إتباع أرباب البدع، وعن الإصغاء إلى آرائهم، وحسموا مادة الجدل في التعرض بالآيات المتشابهة سداً للذريعة، واستغناء عنه بالمحكم، وأمروا بالإيمان به وبإمراره كما جاء من غير تعطيل ولا تشبيه.

(حتى قال مالك لما سئل عن) معنى (الاستواء) في قوله تعالى: ثم استوى، وقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) وقد جاء ذكره في ست آيات، فقال مالك: (الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) وهذا القول من مالك جاء بألفاظ مختلفة، وأسانيد متنوعة .. وقد أورده ابن اللبان في كتابه بلفظ أنه سئل كيف استوى؟ فقال: كيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

قال ابن اللبان في تفسير قول مالك، قوله: كيف غير معقول، أي كيف من صفات الحوادث، وكل ما كان من صفات الحوادث فإثباته في صفات الله تعالى ينافي ما يقتضيه العقل، فيجزم بنفيه عن الله تعالى.

وقوله: والاستواء غير مجهول: أي إنه معلوم المعنى عند أهل اللغة والإيمان به على الوجه اللائق به تعالى واجب، لأنه من الإيمان بالله تعالى وبكتبه، والسؤال عنه بدعة أي حادث لأن الصحابة كانوا عالمين بمعناه اللائق بحسب اللغة فلم يحتاجوا للسؤال عنه، فلما جاء من لم يحط بأوضاع لغتهم، ولا له نور كنورهم يهديه لصفات ربه، شرع يسأل عن ذلك فكان سؤاله سبباً لاشتباهه على الناس وزيغهم عن المراد (الإحياء وشرحه (2/79-80-82).

قال الإمام تقي الدين السبكي: وفي ذلك –أي كلام مالك- قطع بأن الاستواء ليس على ظاهره المعلوم عند الناس من أنه القعود فإن ذلك غير معقول، وليس فيه تصريح بفوقية الذات، ولا يلزم من قولنا: استوى على العرش أن يكون هو على العرش إلا بعد أن نثبت أن الاستواء هو القعود والجلوس كما في المخلوق وجل الله عن ذلك.

 ومما ينبغي التنبيه عليه أن ما نقله الغزالي عن الإمام مالك بصيغة (والكيفية مجهولة) غير صحيح لا من جهة الرواية، ولا من جهة الدراية، أما من جهة الرواية فالمروي عنه برواية صحيحة بصيغة: (الكيف غير معقول) وبرواية أخرى: (ولا يقال كيف، والكيف عنه مرفوع) وقد روي هذا الكلام بصيغة (والكيف غير معقول) عن سفيان بن عيينة وربيعة شيخ الإمام مالك، وانظر فتح الباري (12/ 406-407) وإتحاف السادة المتقين (2/80-81).  والأسماء والصفات (408-409) قال الزبيدي:وأول من وفق لهذا الجواب السيدة أم سلمة رضي الله عنها والكل تابعون على منهجها، ثم ساق الزبيدي سنده إلى أم سلمة، وذكر الخبر.

وقال الحافظ ابن حجر: وأخرج أبو القاسم اللا لكائي في كتاب السنة من طريق الحسن البصري عن أمه عن أم سلمة أنها قالت: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر. انتهى.

وأما من جهة الدراية فلان هذه الصيغة تثبت لله تعالى كيفية لكنها مجهولة لنا، والكيفية مرفوعة عنه تعالى،

 ونختم هذا البحث بإيراد نص للإمام أبي الحسن الأشعري في كتابه الإبانة ص 21. قال رحمه الله تعالى: وأن الله تعالى استوى على العرش على الوجه الذي قال، وبالمعنى الذي أراده استواء منزهاً عن المماسة والاستقرار، والتمكن والحلول والانتقال، لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، ومقهورون في قبضته، وهو فوق العرش، وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى، وهو مع ذلك قريب  من كل موجود، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد، وهو على كل شيء شهيد، انتهى، وهذا النص من الإبانة ليس موجوداً في النسخ المطبوعة المتداولة، وهو ثابت في مخطوطة نسخة بلدية الإسكندرية وقد قامت بتحقيقها الدكتورة فوقية حسين محمود وطبعت بدار الأنصار بالقاهرة الطبعة الأولى 1397 هـ.

قال الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" ( 2  /112): قول من قال: (طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أحكم) نقل الحافظ ابن حجر عن بعضهم أنه ليس بمستقيم، لأنه ظن أن الطريقة السلف مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه في ذلك، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجاز، فجمع هذا القائل بين الجهل بطريقة السلف والدعوى في طريقة الخلف، وليس الأمر كما ظن، بل السلف في غاية المعرفة بما يليق بالله تعالى، وفي غاية التعظيم له، والخضوع لأمره والتسليم لمراده. وليس من سلك طريقة الخلف واثقا بأن الذي يتأوله هو المراد، ولا يمكن القطع بصحة تأويله انتهى. قلت: وقد أشار إلى ذلك المصنف (الغزالي) في "إلجام العوام" بما لا مزيد على تحريره انتهى. أقول: أصل التأويل مجمع عليه بين السلف والخلف، فإن السلف بما فيهم الإمام أحمد قد تأولوا بعض النصوص كما تقدم آنفا في التعليق، وإنما الفرق بينهما بقلة التاويل وكثرته، فالسلف لم يتأولوا من النصوص إلا القليل، ومعظم الخلف قد أكثروا منه، وقد تقدم تفصيل المسألة، وأن أوسط المذاهب فيها مذهب الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى.

تأويل اليد في هذه الآية (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (الفتح: من الآية10) بالقدرة والإصبعين بصفتي القدرة والإرادة من التأويلات السخيفة فإنه لا معنى لقولنا قدرة الله فوق أيديهم، وإنما الآية تمثيل لبيعتهم لله بالمبايع العظيم، كما أنه لا أحد يفهم من الأصبعين في الحديث المذكور معنى صفتي القدرة والإرادة والنصوص يجب حملها على المعنى الذي يفهمها المخاطب بها، فإن كلام الله تعالى وكلام رسوله ليسا من قبيل الألغاز والأحاجي، وإنما هو كتاب عربي مبين، وبيان جلي، والتحقيق الذي عليه المحققون أن النصوص المتشابهة من الكتاب والسنة واردة على التمثيل الذي يقصد به تصوير المعاني العقلية بإبرازها في الصور الحسية قصداً إلى كمال البيان، قاله تاج الدين السبكي، وقال نحوه سعد الدين التفتازاني والسيد الشريف الجرجاني، وذلك لأن العرب لم يكونوا يفهمون من قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) (الملك: من الآية1) إلا ثبوت الملك والسلطنة والقهر والغلبة لله تعالى، دون إثبات اليد له تعالى. والتصاق الملك بها، كيف والملك أمر معنوي لا يلتصق باليد ولا يحل فيها.

ولم يكونوا يفهمون من قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن) إلا أن القلوب طوع إرادته تعالى وقدرته وأنه يقلبها كيف يشاء، دون إثبات الإصبعين والأصابع لله تعالى، وأنهما في جوف بني آدم آخذتان بقلوبهما.

هذا ما لا يخطر على قلب بشر عند سماع هذا النص، وقس على هذا غيره.

 فحمل هذه النصوص على معانيها الحقيقية مخالف لأساليب اللغة العربية كما أنه مخالف لما كان عليه السلف.

وقد روى القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي والقاضي عياض في الشفاء عن الإمام مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه أنه كان يرى قطع يد من أشار بيده إلى عضو من أعضائه عند ذكر شيء ورد في الله سبحانه وتعالى، حيث أن الإشارة إلى العضو عند ذلك تشبيه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

نقل هذا الكلام الحصني في دفع شبه التشبيه (18) والكوثري في تكملة الرد على نونية ابن القيم (197).

وقد ورد في الحديث بروايتين صحيحتين ما يدل على أن النازل هو الملك أما الرواية الأولى فقد روى النسائي في السنن الكبرى (6/124) بإسناد صحيح، وفي عمل اليوم والليلة برقم (340- 472) عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم  (إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول، ثم يأمر مناديا ينادي يقول: هل من داع فيستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يعطي؟).

وأما الرواية الثانية فعن عثمان بن أبي العاص الثقفي قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (تفتح أبواب السماء نصف الليل، فينادي مناد: هل من داع فيستجاب له؟ هل من مكروب فيفرج عنه؟ فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله عز وجل له إلا زانية تسعى بفرجها أو عشاراً) رواه أحمد (33-317) والبزار (4/44) كشف الأستار، والطبراني (9/51) وغيرهم بأسانيد صحيحة.

فالرواية التي فيها (ينزل ربنا..) الفعل فيها مسند للآمر مجازاً عقلياً أي أمر الله بنزول ملك فينادي … إلخ لأن الروايات يفسر بعضها بعضاً، أو نزول الله فيها مجاز عن بسط رحمته تعالى، وقربه إلى عباده قرباً خاصاً لمضاعفة ثواب أعمالهم واستجابة دعائهم.

قال البيهقي 2-378 : قال أبو سليمان (الخطابي) في الكلام على حديث النزول: وإنما ينكر  هذا وما أشبهه من الحديث من يقيس الأمور في ذلك بما يشاهده من النزول الذي هو نزلة من أعلى إلى أسفل وانتقال من فوق إلى تحت، وهذا صفة الأجسام والأشباح، فأما نزول من لا يستولي عليه صفة الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه، وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته  بعباده وعطفه عليهم، واستجابته لدعائهم، ومغفرته لهم يفعل ما يشاء، لا يتوجه على صفاته كيفية، ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وقال أبو سليمان –رحمه الله- في معالم السنن4-331- 332: وهذا من العلم الذي أمرنا أن نؤمن بظاهره وأن لا نكشف عن باطنه، وهو من جملة المتشابه الذي ذكره الله تعالى في كتابه فقال: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) (آل عمران: من الآية7) الآية، فالمحكم منه ما يقع به العلم الحقيقي والعمل، والمتشابه يقع به الإيمان والعلم الظاهر، ويوكل باطنه إلى الله تعالى، وهو معنى قوله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) (آل عمران: من الآية7) وإنما حظ الراسخين أن يقولوا: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) (آل عمران: من الآية7) وكذلك ما جاء من هذا الباب في القرآن، كقوله عز وجل: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ) (البقرة: من الآية210) وقوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) (الفجر:22) والقول في جميع ذلك عند علماء السلف ما قلناه. وقد زل بعض شيوخ أهل الحديث ممن يرجع إلى معرفته بالحديث والرجال، فحاد عن هذه الطريقة حين روى حديث النزول ثم أقبل على نفسه فقال: إن قال قائل: كيف ينزل ربنا إلى السماء؟ قيل له: ينزل كيف يشاء، فإن قال: هل يتحرك إذا نزل؟ فقال: إن شاء يتحرك، وإن شاء لم يتحرك.

وهذا خطأ فاحش عظيم، والله تعالى لا يوصف بالحركة، لأن الحركة والسكون يتعاقبان في محل واحد، وإنما يجوز أن يوصف بالحركة من يجوز أن يوصف بالسكون، وكلاهما من أعراض المحدث، وأوصاف المخلوقين، والله تبارك وتعالى متعال عنهما (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: من الآية11).

فلو جرى هذا الشيخ على طريقة السلف الصالح، ولم يدخل نفسه في ما لا يعنيه لم يكن يخرج به القول إلى مثل هذا الخطأ الفاحش، قال (الخطابي): وإنما ذكرت هذا لكي يتوقى الكلام فيما كان من هذا النوع، فإنه لا يثمر خيراً، ولا يفيد رشداً، ونسأل الله العصمة من الضلال، والقول بما لا يجوز من الفاسد المحال (الأسماء والصفات ج2 ص378)

ومما يدل على أن النزول ليس نزول نقلة أن نصف الليل الأخير لا ينتهي عن الدنيا وهو موجود فيها دائماً وإنما ينتقل عن قطر إلى آخر، فلو كان النزول نزول نقلة لما تصور نزوله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا بل يكون مستقراً فيها دائماً لدوام نصف الليل الأخير في الدنيا، فمتى يستقر على عرشه بذاته كما يقولون!؟. سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.

فالقول بأنه تعالى مستو على عرشه بذاته، وبأنه تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة نزول نقله متنافيان! والله تعالى أعلم.

 

المـراجـــع

1.       معالم السنن للإمام أبو سليمان الخطابي (المتوفى: 388هـ)  معالم السنن (ت: الطباخ) - المكتبة الوقفية للكتب المصورة PDF (waqfeya.net)

2.       أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) (المتوفى: 388هـ) أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري - المكتبة الوقفية للكتب المصورة PDF (waqfeya.net)

3.       الأسماء والصفات" للبيهقي  (المتوفى: 458هـ)  كتاب أسماء الله وصفاته المعروف بالأسماء والصفات - المكتبة الوقفية للكتب المصورة PDF (waqfeya.net)

4.       التذكرة الشرقية للإمام القشيري (المتوفى: 465هـ)

5.       الرسالة النظامية أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين (المتوفى: 478هـ) Aghida_Nithamiya_Kawtheri.pdf (archive.org)

6.       إلجام العوام عن علم الكلام للإمام الغزالي  (المتوفى: 505هـ)  إلجام العوام عن علم الكلام دار المنهاج.pdf (archive.org)

7.       عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لمحمد بن عبد الله بن محمد المعافري، أبو بكر ابن العربي (المتوفى: 543 هـ)  شبكة مشكاة الإسلامية - المكتبة - عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي - ط. المصرية (almeshkat.net)

8.       الشفا بتعريف حقوق المصطفى أبو الفضل القاضي عياض بن موسى اليحصبي (المتوفى: 544هـ) الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم (ط. دار الحديث) - المكتبة الوقفية للكتب المصورة PDF (waqfeya.net)

9.       دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه   لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي (المتوفى: 597هـ) Dafu_Shubahi_Tashbih_Kawtheri.pdf (archive.org)

10.   شرح صحيح مسلم محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج (صحيح مسلم بشرح النووي) (ط قرطبة) - المكتبة الوقفية للكتب المصورة PDF (waqfeya.net)

11.   المسايرة في علم الكلام لكمال الدين ابن الهمام  (المتوفى: 681هـ)  كتاب المسامرة في شرح المسايرة في علم الكلام - الكمال بن أبي شريف بن الهمام ج1.pdf (archive.org)

12.   السَّيفُ الصَّقِيلُ في الرَّدِّ عَلَى ابنِ زَفِيل لتاج الدين السبكي (المتوفى: 756هـ) مع تكملة الرد على نونية ابن القيم= تبديد الظلام المخيم من نونية ابن القيم لمحمد زاهد بن الحسن الكوثري (1371 هـ) Sayfu_Saghil.pdf (archive.org)

13.   شرح المقاصد في علم الكلام لسعد الدين التفتازاني (المتوفى: 793هـ) شرح المقاصد : Free Download, Borrow, and Streaming : Internet Archive

14.   كشف الأستار عن زوائد البزار لنور الدين الهيثمي (المتوفى: 807هـ) كشف الأستار عن زوائد البزار - المكتبة الوقفية للكتب المصورة PDF (waqfeya.net)

15.   شرح المواقف للسيد الشريف الجرجاني (المتوفى: 817هـ) مع حاشية حسن حلبي (879 ه) و حاشية حسن جلبي بن محمد شاه الفناري الحنفي (1067 ه) تحميل كتاب شرح المواقف للشريف الجرجاني مع الحاشيتين PDF - مكتبة نور (noor-book.com)

16.   فتح الباري شرح صحيح البخاري الحافظ ابن حجر (المتوفى: 852هـ)  فتح الباري بشرح صحيح البخاري (ت: الأرناؤوط) - المكتبة الوقفية للكتب المصورة PDF (waqfeya.net)

17.   المسامرة شرح المسايرة لكمال الدين بن أبي شريف (المتوفى: 906هـ)  كتاب المسامرة في شرح المسايرة في علم الكلام - الكمال بن أبي شريف بن الهمام : books4all.net : Free Download, Borrow, and Streaming : Internet Archive

18.   بُغية الطالب في شرح عقيدة ابن الحاجب لابن زكري التلمساني  (المتوفى: 910هـ)  kitab.pdf (archive.org)

19.   أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات مرعي بن يوسف بن أبى بكر بن أحمد الكرمى المقدسي الحنبلى (المتوفى: 1033هـ)  أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات (archive.org)

20.   إشارات المرام من عبارات الإمام ابي حنيفة النعمان في اصول الدين للقاضي كمال الدين البياضي (المتوفى 1097 هـ)  إشارات المرام من عبارات الإمام أبي حنيفة النعمان في أصول الدين - ط العلمية.pdf (archive.org)

21.   الفواكه الدواني لشهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي (المتوفى: 1126هـ)  خزانة الفقيه | الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (feqhbook.com)

22.   اتحاف السادة المتقين  لمحمد بن محمد بن الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى (المتوفى: 1205هـ)  اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين - المكتبة الوقفية للكتب المصورة PDF (waqfeya.net)

23.   شرح المقدمة الحضرمية  للحضرمي الشافعي (المتوفى: 1270هـ )  شرح المقدمة الحضرمية المسمى بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم (archive.org)

24.   تكملة الرد على نونية ابن القيم لمحمد زاهد بن الحسن الكوثري (1371 هـ)  Sayfu_Saghil.pdf (archive.org)

Comments
0 Comments

Tidak ada komentar: