HIDUP ADALAH UJIAN

SELAMAT DATANG DI BLOG " KHAIRUL IKSAN "- Phone : +6281359198799- e-mail : khairul.iksan123@gmail.com

Selasa, 06 Juni 2023

Tafsir QS. Al-Baqoroh Ayat 216 - 217



(216)Surat Al-Baqarah Ayat 216 Arab, Latin, Terjemah dan Tafsir | Baca di TafsirWeb{كُتِبَ} فُرِضَ {عَلَيْكُمْ الْقِتَال[1]} لِلْكُفَّارِ[2] {وَهُوَ كُرْه[3]} مكروه {لكم} طبعا[4] لِمَشَقَّتِهِ {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا[5] وَهُوَ خَيْر لَكُمْ[6] وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرّ لَكُمْ} لِمَيْلِ النَّفْس إلَى الشَّهَوَات الْمُوجِبَة لِهَلَاكِهَا وَنُفُورهَا عَنْ التَّكْلِيفَات الْمُوجِبَة لِسَعَادَتِهَا فَلَعَلَّ لَكُمْ فِي الْقِتَال وَإِنْ كَرِهْتُمُوهُ خَيْرًا لِأَنَّ فِيهِ إمَّا الظَّفَر وَالْغَنِيمَة أَوْ الشَّهَادَة وَالْأَجْر[7] وَفِي تَرْكه وَإِنْ أَحْبَبْتُمُوهُ شَرًّا لِأَنَّ فِيهِ الذُّلّ وَالْفَقْروَحِرْمَان الْأَجْر[8] {وَاَللَّه يَعْلَم} مَا هُوَ خَيْر لَكُمْ {وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[9]} ذَلِكَ فَبَادِرُوا إلى ما يأمركم به

(217Surat Al-Baqarah Ayat 217 Arab, Latin, Terjemah dan Tafsir | Baca di TafsirWeb وأرسل النبي[10] أَوَّل سَرَايَاهُ[11] وَعَلَيْهَا عَبْد اللَّه بْن جَحْش فقاتلوا المشركين[12] وقتلوا بن الحضرمي أخر يوم من جمادى الآخر وَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ بِرَجَبٍ[13] فَعَيَّرَهُمْ الْكُفَّار بِاسْتِحْلَالِهِ فَنَزَلَ {يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْر الْحَرَام[14]} الْمُحَرَّم {قِتَال فِيهِ} بَدَل اشْتِمَال[15] {قُلْ} لَهُمْ {قِتَال فِيهِ كَبِير[16]} عَظِيم وِزْرًا مُبْتَدَأ وَخَبَر {وَصَدّ} مُبْتَدَأ مَنْع لِلنَّاسِ {عَنْ سَبِيل اللَّه[17]} دِينه {وَكُفْر بِهِ} بالله {وصد عن المسجد الْحَرَام} أَيْ مَكَّة {وَإِخْرَاج أَهْله مِنْهُ} وَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَخَبَر الْمُبْتَدَأ[18] {أَكْبَر} أَعْظَم وِزْرًا {عِنْد اللَّه} مِنْ الْقِتَال فِيهِ {وَالْفِتْنَة} الشِّرْك مِنْكُمْ {أَكْبَر مِنْ الْقَتْل} لَكُمْ فِيهِ {وَلَا يَزَالُونَ} أَيْ الْكُفَّار {يُقَاتِلُونَكُمْ[19]} أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ {حَتَّى} كَيْ {يَرُدُّوكُمْ[20] عَنْ دِينكُمْ} إلَى الْكُفْر {إنْ اسْتَطَاعُوا[21] وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِر فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ} بَطَلَتْ {أَعْمَالهمْ} الصَّالِحَة[22] {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} فَلَا اعْتِدَاد بِهَا وَلَا ثَوَاب عَلَيْهَا وَالتَّقَيُّد بِالْمَوْتِ عَلَيْهِ يُفِيد أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَام لَمْ يَبْطُل عَمَله فَيُثَاب عَلَيْهِ وَلَا يُعِيدهُ كَالْحَجِّ مَثَلًا وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيّ[23] {وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}



[1]  قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} أي وكان فرضه بعد الهجرة بعد أن نهى رسول الله عنه في نيف وسبعين آية، وهو فرض عين إن فجأ العدو، وكفاية إن لم يفجأ بأن كان في بلده ونحن الطالبون له (حاشية الصاوي) بَابُ فَرْضِ الْجِهَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ – البقرة : 190} .قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ تَخْتَلِفْ الْأُمَّةُ أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ مَحْظُورًا قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِقَوْلِهِ: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ - فصلت: 34 - 35} وَقَوْلِهِ: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ - المائدة: 13} وَقَوْلِهِ: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ- النحل: 125} وَقَوْلِهِ: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ - آل عمران: 20}وَقَوْلِهِ: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً- الفرقان: 63}وَرَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْن عَبَّاسٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَصْحَابًا لَهُ كَانَتْ أَمْوَالُهُمْ بِمَكَّةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا فِي عِزَّةٍ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّاءَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "إنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلَا تُقَاتِلُوا الْقَوْمَ" فَلَمَّا حَوَّلَهُ إلَى الْمَدِينَةِ أُمِرُوا بِالْقِتَالِ فَكُفُّوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ- النساء: 77} وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله عز وجل: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ- الغاشية: 22}وَقَوْلِهِ: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ- ق: 5}وَقَوْلِهِ: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ- المائدة: 13}وَقَوْلِهِ: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ- الجاثية: 14}قَالَ: نَسَخَ هَذَا كُلَّهُ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ- التوبة: 5} وقَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ- إلَى قَوْلِهِ: {صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] - قَوْله تَعَالَى [كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ] هَذَا يَدُلُّ عَلَى فَرْضِ الْقِتَالِ لِأَنَّ قَوْلَهُ [كُتِبَ عَلَيْكُمُ] بِمَعْنَى فُرِضَ عَلَيْكُمْ كَقَوْلِهِ [كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ] ثُمَّ لَا يَخْلُو الْقِتَالُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَعْهُودٍ قَدْ عَرَفَهُ الْمُخَاطَبُونَ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى مَعْهُودٍ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ تَدْخُلَانِ لِلْجِنْسِ أَوْ لِلْمَعْهُودِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ قِتَالًا قَدْ عَرَفُوهُ رَجَعَ الْكَلَامُ إلَيْهِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى [وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً (التوبة - 36)] وَقَوْلِهِ [وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ (البقرة 191)] فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِقِتَالٍ عَلَى وَصْفٍ وَهُوَ أَنْ نُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ إذَا قَاتَلُونَا فَيَكُونَ حِينَئِذٍ كَلَامًا مَبْنِيًّا عَلَى مَعْهُودٍ قَدْ عُلِمَ حُكْمُهُ مُكَرَّرٌ ذِكْرُهُ تَأْكِيدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِعًا إلَى مَعْهُودٍ فَهُوَ لَا مَحَالَةَ مُجْمَلٌ مُفْتَقِرٌ إلَى الْبَيَانِ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ وُرُودِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْنَا بِقِتَالِ النَّاسِ كُلِّهِمْ فَلَا يَصِحُّ اعْتِقَادُ الْعُمُومِ فِيهِ وَمَا لَا يَصِحُّ اعْتِقَادُ الْعُمُومِ فِيهِ فَهُوَ مُجْمَلٌ مُفْتَقِرٌ إلَى الْبَيَانِ وَسَنُبَيِّنُ اخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي فَرْضِ الْجِهَادِ وَكَيْفِيَّتِهِ عِنْدَ مَصِيرِنَا إلى قوله [فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (التوبة -5)] إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} يَقْتَضِي قَتْلَ سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ عُمُومَهُ مَقْصُورٌ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَّقَ فِي اللَّفْظِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [لحج:17] فَعَطَفَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ يَخْتَصُّ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ مِنْ النَّصَارَى، وَالْمَجُوسِ،وَالصَّابِئِينَ مُشْرِكِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّصَارَى قَدْ أَشْرَكَتْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ عِبَادَةَ الْمَسِيحِ، وَالْمَجُوسُ مُشْرِكُونَ مِنْ حَيْثُ جَعَلُوا لِلَّهِ نِدًّا مُغَالِبًا، وَالصَّابِئُونَ فَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، وَالْآخَرُ لَا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَلَكِنَّهُمْ مُشْرِكُونَ فِي وُجُوهٍ أُخَرُ، إلَّا أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْمُشْرِكِ يَتَنَاوَلُ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ، فَلَمْ يوجب قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} إلَّا قَتْلَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَمَّا كَانَ مَعْنَى الشِّرْكِ مَوْجُودًا فِي مَقَالَاتِ هَذِهِ الْفِرَقِ مِنْ النَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالصَّابِئِينَ فَقَدْ انْتَظَمَهُمْ اللَّفْظُ، وَلَوْلَا وُرُودُ آيَةِ التَّخْصِيصِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ خُصُّوا مِنْ الْجُمْلَةِ، وَمَنْ عَدَاهُمْ مَحْمُولُونَ عَلَى حُكْمِ الْآيَةِ عَرَبًا كَانُوا أَوْ عَجَمًا (أحكام القرآن للجصاص الحنفي) المعنى: فرض عليكم أيها المسلمون قتال الكفار، وهو كره لكم، ولعلّكم تكرهون شيئا وهو خير لكم، ولعلكم تحبون شيئا وهو شرّ لكم، إذ هم يكرهون القتال وفيه الفتح والغنيمة والشهادة والقوة. ويحبون القعود، وفيه الذلّ والاستعباد، والله يعلم ما هو خير لكم مما هو شر لكم. فلا تكرهوا ما فرض عليكم من القتال. فإنّه يعلم أنه خير لكم في عاجلكم، ولا تحبوا القعود، فإنّه شر لكم، فإنّ الدنيا بنيت على التدافع، وأنتم لا تعلمون ما يعلمه الله، وقد اختلف في الذين كتب عليهم القتال في هذه الآية:1- قال الأوزاعي: نزلت في الصحابة، فهم الذين كتب عليهم الجهاد، وبه قال عطاء.2- وقال غيرهما: إنّ القتال قد كتب على جميع المسلمين، لكن تختلف الحال، فإن كان الإسلام ظاهرا فهو فرض على الكفاية، وإن كان العدو ظاهرا فهو فرض على الأعيان، حتّى يكشف الله ما بهم، وهذا هو الظاهر. وقد روى البخاري عن مجاشع: قال أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم أنا وأخي، فقلت: بايعني على الهجرة، فقال: «مضت الهجرة لأهلها» «(2) رواه البخاري في الصحيح (4/ 11) ، 56- كتاب الجهاد، 110- باب البيعة في الحرب حديث رقم (2962، 2963) ، ومسلم في الصحيح (3/ 1487) ، 33- كتاب الإمارة حديث رقم (83/ 1863) .».قلت:علام تبايعنا؟ قال: على الإسلام، والجهاد.وقد روي أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونيّة، وإذا استنفرتم فانفروا» «(1) رواه البخاري في الصحيح (3/ 1488) ، 33- كتاب الإمارة، 20- باب المبايعة بعد الفتح حديث رقم (88/ 1866) » (روائع البيان تفسير آيات الأحكام) وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِي الْقِتَالِ مُدَّةَ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ فَلَمَّا هَاجَرَ أُذِنَ لَهُ فِي قِتَالِ مَنْ يُقَاتِلُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ أُذِنَ لَهُ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ عَامَّةً، ثُمَّ فَرَضَ اللَّهُ الْجِهَادَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهَا تَقْتَضِي وُجُوبَ الْقِتَالِ عَلَى الْكُلِّ وَعَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ عِنْدَ الْبَيْتِ بِاللَّهِ أَنَّ الْغَزْوَ وَاجِبٌ وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَقْتَضِي وُجُوبَ الْقِتَالِ عَلَى أَصْحَابِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَقَطْ حُجَّةُ الْأَوَّلِينَ أَنَّ قَوْلَهُ: كُتِبَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَقَوْلُهُ: عَلَيْكُمُ يَقْتَضِيهِ أَيْضًا، وَالْخِطَابُ بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ: عَلَيْكُمُ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَوْجُودِينَ وَعَلَى مَنْ سَيُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلَهُ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ [الْبَقَرَةِ: 178] ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ [الْبَقَرَةِ: 183] . فَإِنْ قِيلَ: ظَاهِرُ الْآيَةِ هَلْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَى الْأَعْيَانِ أَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ. قُلْنَا: بَلْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَى الْأَعْيَانِ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْكُمُ أَيْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِكُمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ حُجَّةُ عَطَاءٍ أَنَّ قَوْلَهُ: كُتِبَ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ، وَيَكْفِي فِي الْعَمَلِ بِهِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَقَوْلُهُ: عَلَيْكُمُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ هَذَا الْخِطَابِ بِالْمَوْجُودِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَّا أَنَّا قُلْنَا: إِنَّ قَوْلَهُ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ حَالُ الْمَوْجُودِينَ فِيهِ كَحَالِ مَنْ سَيُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ، بِدَلَالَةٍ مُنْفَصِلَةٍ وَهِيَ الْإِجْمَاعُ، وَتِلْكَ الدَّلَالَةُ مفقودة هاهنا فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ، قَالُوا: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تعالى: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى [النساء: 95] وَلَوْ كَانَ الْقَاعِدُ مُضَيِّعًا فَرْضًا لَمَا كَانَ مَوْعُودًا بِالْحُسْنَى، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الْفَرْضُ كَانَ ثَابِتًا ثُمَّ نُسِخَ، إِلَّا أَنَّ الْتِزَامَ الْقَوْمِ بِالنَّسْخِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ غَيْرُ جَائِزٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً [التَّوْبَةِ: 122] وَالْقَوْلُ بِالنَّسْخِ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَالْإِجْمَاعُ الْيَوْمَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ الْمُشْرِكُونَ دِيَارَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْجِهَادُ حِينَئِذٍ عَلَى الْكُلِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (مفاتيح الغيب = التفسير الكبير)

[2]  قوله: (الكفار) أي الحربيين أهل الذمة فيحرم قتالهم (حاشية الصاوي)

[3]   { كُرْهٌ } : بضم الكاف أي مكروه لكم تكرهه نفوسكم لما فيه من المشقة ، وُضع المصدر موضع الوصف مبالغةً ، كقوله تعالى : { إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ } [ التوبة : 28 ] وكقول الخنساء : فإنما هي إقبال وإدبار قال ابن قتيبة : الكَره بالفتح معناه الإكراه والقهر ، وبالضم معناه المشقة (روائع البيان تفسير آيات الأحكام) قَوْلُهُ: وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ فِيهِ إِشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْعَقْلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمَرُ بِقِتَالِ الْكَافِرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ قَالَ: وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ فَإِنَّ هَذَا يُشْعِرُ بِكَوْنِ الْمُؤْمِنِ كَارِهًا لِحُكْمِ اللَّهِ وَتَكْلِيفِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكُونُ سَاخِطًا لِأَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكَالِيفِهِ، بَلْ يَرْضَى بِذَلِكَ وَيُحِبُّهُ وَيَتَمَسَّكُ بِهِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ صَلَاحُهُ وَفِي تَرْكِهِ فَسَادُهُ. وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكُرْهِ، كَوْنَهُ شَاقًّا عَلَى النَّفْسِ، وَالْمُكَلَّفُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ صَلَاحُهُ، لَكِنْ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ ثَقِيلًا شَاقًّا عَلَى النَّفْسِ، لِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِبَارَةٌ عَنْ إِلْزَامِ مَا فِي فِعْلِهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنْ أَعْظَمَ مَا يَمِيلُ إِلَيْهِ الطَّبْعُ الْحَيَاةُ، / فَلِذَلِكَ أَشَقُّ الْأَشْيَاءِ على النفس الْقِتَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَرَاهَتَهُمْ لِلْقِتَالِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَوْفِ، وَلِكَثْرَةِ الْأَعْدَاءِ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الَّذِي تَكْرَهُونَهُ مِنَ الْقِتَالِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ تَرْكِهِ لِئَلَّا تَكْرَهُونَهُ بَعْدَ أَنْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْكُرْهُ بِضَمِّ الْكَافِ هُوَ الْكَرَاهَةُ بِدَلِيلِ قوله: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَضْعَ الْمَصْدَرِ مَوْضِعَ الْوَصْفِ مُبَالَغَةً كَقَوْلِ الْخَنْسَاءِ: فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ كَأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ كَرَاهَةٌ لِفَرْطِ كَرَاهَتِهِمْ لَهُ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِعْلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، كَالْخَبَرِ بِمَعْنَى الْمَخْبُورِ أَيْ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لَكُمْ وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ بِالْفَتْحِ وَهُمَا لُغَتَانِ كَالضَّعْفِ وَالضَّعَفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْإِكْرَاهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، كَأَنَّهُمْ أُكْرِهُوا عَلَيْهِ لِشِدَّةِ كَرَاهَتِهِمْ لَهُ، وَمَشَقَّتِهِ عَلَيْهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً [الْأَحْقَافِ: 15] وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْكُرْهُ، بِالضَّمِّ مَا كَرِهْتَهُ مِمَّا لَمْ تُكْرَهْ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ بِالْإِكْرَاهِ فَبِالْفَتْحِ (مفاتيح الغيب)

[4]  قوله: (طبعاً) أي فهو مكروه من جهة الطبع ولا يلزم من كون الطبع كرهه أنه كاره حكم الله به، بل هو من باب مخالفة النفس. (حاشية الصاوي)

[5]  قوله: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً} الترجي في كلام الله ليس على بابه بل هو للتحقيق لأنه خبر من أحاط بكل شيء علماً، وعسى هنا تامة تكتفي بمرفوعها قال ابن مالك:  بعد عسى اخلولق أوشك قد يردغنى بأن يفعل عن ثان فقد (حاشية الصاوي) أَمَّا قَوْلُهُ: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ فَفِيهِ مَسَائِلُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: عَسى فِعْلٌ دَرَجَ مُضَارِعُهُ وَبَقِيَ مَاضِيهِ فَيُقَالُ مِنْهُ، عَسَيْتُمَا وَعَسَيْتُمْ قَالَ تَعَالَى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ [مُحَمَّدٍ: 22] وَيَرْتَفِعُ الِاسْمُ بَعْدَهُ كَمَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ الْفِعْلِ فَتَقُولُ: عَسَى زَيْدٌ. كَمَا تَقُولُ: قَامَ زَيْدٌ وَمَعْنَاهُ: قَرُبَ قَالَ تَعَالَى: قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ [النَّمْلِ: 72] أَيْ قَرُبَ، فَقَوْلُكَ عَسَى زَيْدٌ أَنْ يَقُومَ تَقْدِيرُهُ عَسَى قِيَامُ زَيْدٍ أَيْ قَرُبَ قِيَامُ زَيْدٍ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ الشَّيْءُ شَاقًّا عَلَيْكُمْ فِي الْحَالِ، وَهُوَ سَبَبٌ لِلْمَنَافِعِ الْجَلِيلَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَبِالضِّدِّ، وَلِأَجْلِهِ حَسُنَ شُرْبُ الدَّوَاءِ الْمُرِّ فِي الْحَالِ لِتَوَقُّعِ حُصُولِ الصِّحَّةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَحَسُنَ تَحَمُّلُ الْأَخْطَارِ فِي الْأَسْفَارِ لِتَوَقُّعِ حُصُولِ الرِّبْحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَحَسُنَ تَحَمُّلُ الْمَشَاقِّ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ لِلْفَوْزِ بالسعادة العظيمة في الدنيا وفي العقبى، وهاهنا كَذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ الْجِهَادِ وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ فِي الْحَالِ صَوْنَ النَّفْسِ عَنْ خَطَرِ الْقَتْلِ، وَصَوْنَ الْمَالِ عَنِ الْإِنْفَاقِ، وَلَكِنْ فِيهِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْمَضَارِّ مِنْهَا: أَنَّ الْعَدُوَّ إِذَا علم ميلكم إلى الدعة والسكون قصة بِلَادَكُمْ وَحَاوَلَ قَتْلَكُمْ فَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَكُمْ وَيَسْتَبِيحَ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ تَحْتَاجُوا إِلَى قِتَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ إِعْدَادِ آلَةٍ وَسِلَاحٍ، وَهَذَا يَكُونُ كَتَرْكِ مُدَاوَاةِ الْمَرَضِ فِي أَوَّلِ ظُهُورِهِ بِسَبَبِ نُفْرَةِ النَّفْسِ عَنْ تَحَمُّلِ مَرَارَةِ الدَّوَاءِ، ثُمَّ فِي آخِرِ الْأَمْرِ يَصِيرُ الْمَرْءُ مُضْطَرًّا إِلَى تَحَمُّلِ أَضْعَافِ تِلْكَ النُّفْرَةِ وَالْمَشَقَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِتَالَ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْأَمْنِ، وَذَلِكَ خَيْرٌ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِسَلَامَةِ الْوَقْتِ، وَمِنْهَا وِجْدَانُ الْغَنِيمَةِ، وَمِنْهَا السُّرُورُ الْعَظِيمُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْأَعْدَاءِ. أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ فَكَثِيرَةٌ، مِنْهَا مَا يَحْصُلُ لِلْمُجَاهِدِ مِنَ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ إِذَا فَعَلَ الْجِهَادَ تَقَرُّبًا وَعِبَادَةً وَسَلَكَ طَرِيقَةَ الِاسْتِقَامَةِ فَلَمْ يُفْسِدْ مَا فَعَلَهُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَخْشَى عَدُوُّكُمْ أَنْ يَسْتَغْنِمَكُمْ فَلَا تَصْبِرُونَ عَلَى الْمِحْنَةِ فَتَرْتَدُّونَ عَنِ الدِّينِ، وَمِنْهَا أَنَّ عَدُوَّكُمْ إِذَا رَأَى جَدَّكُمْ فِي دِينِكُمْ وَبَذْلَكُمْ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ فِي طَلَبِهِ مَالَ بِسَبَبِ ذَلِكَ إِلَى دِينِكُمْ فَإِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدِكُمْ صِرْتُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ مُسْتَحِقِّينَ لِلْأَجْرِ الْعَظِيمِ عِنْدَ اللَّهِ، وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى الْقِتَالِ طَلَبًا لِمَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ قَدْ تَحَمَّلَ أَلَمَ الْقَتْلِ بِسَبَبِ طَلَبِ رِضْوَانِ اللَّهِ، وَمَا لَمْ يَصِرِ الرَّجُلُ مُتَيَقِّنًا بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وَبِأَنَّ لَذَّاتِ الدُّنْيَا أُمُورٌ بَاطِلَةٌ لَا يَرْضَى بِالْقَتْلِ وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ فَارَقَ الْإِنْسَانُ الدُّنْيَا عَلَى حُبِّ اللَّهِ وَبُغْضِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ سَعَادَاتِ الْإِنْسَانِ. فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الطَّبْعَ وَلَوْ كَانَ يَكْرَهُ الْقِتَالَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَبِالضِّدِّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ مَتَى تَعَارَضَا فَالْأَكْثَرُ مَنْفَعَةً هُوَ الرَّاجِحُ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الشَّرُّ السُّوءُ وَأَصْلُهُ مِنْ شَرَرْتُ الشَّيْءَ إِذَا بَسَطْتُهُ، يُقَالُ شَرَرْتُ اللَّحْمَ وَالثَّوْبَ إِذَا بَسَطْتُهُ لِيَجِفَّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَحَتَّى أُشِرَّتْ بِالْأَكُفِّ الْمَصَاحِفُ وَالشَّرَرُ اللَّهَبُ لِانْبِسَاطِهِ فَعَلَى هَذَا الشَّرُّ انْبِسَاطُ الْأَشْيَاءِ الضَّارَّةِ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: (عَسَى) تُوهِمُ الشَّكَّ مِثْلُ (لَعَلَّ) وَهِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يَقِينٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهَا كَلِمَةٌ مُطَمِّعَةٌ، فَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى حُصُولِ الشَّكِّ لِلْقَائِلِ إِلَّا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى حُصُولِ الشَّكِّ لِلْمُسْتَمِعِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُحْتَاجُ إِلَى التَّأْوِيلِ، أَمَّا إِنْ قُلْنَا بِأَنَّهَا بِمَعْنَى (لَعَلَّ) فَالتَّأْوِيلُ فِيهِ هُوَ الْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الْبَقَرَةِ: 183] قَالَ الْخَلِيلُ: (عَسَى) مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ [المائدة: 52] وقد وجد عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً [يُوسَفَ: 83] وَقَدْ حَصَلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (مفاتيح الغيب = التفسير الكبير)

[6]  قوله: {وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} جملة حالية من قوله شيئاً أو صفة له، فاستشكل كل منهما بأن الحال لا يتأتى من النكرة بدون مسوغ وبأن الصفة لا تقترن بالواو. وأجيب عن الأول بأن إتيان الحال من النكرة بدون مسوغ قليل، وعن الثاني أن الصفة أجريت مجرى الحال في جواز اقترانها بالواو، قوله الموجبة لسعادتها أي فالسعادة في طاعة الله والشقاوة في معاصيه (حاشية الصاوي)

[7]  قوله(إما الظفر والغنيمة) أي لمن عاش (حاشية الصاوي) قوله (أو الشهادة والأجر) أي لمن مات (حاشية الصاوي)

[8]  قوله: (لأن فيه الذل) أي بغلبة العدو علينا (حاشية الصاوي) وقوله: والفقر) أي لكونه يسلب مالنا (حاشية الصاوي)وقوله: (وحرمان الأجر) أي المترتب على الجهاد في سبيل الله وهو مضاعفة الحسنات إلى سبعمائة ضعف، وغير ذلك مما وعد الله به المجاهدين. (حاشية الصاوي)

[9]  أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّرْغِيبُ الْعَظِيمُ فِي الْجِهَادِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا اعْتَقَدَ قُصُورَ عِلْمِ نَفْسِهِ، وَكَمَالَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَأْمُرُ الْعَبْدَ إِلَّا بِمَا فِيهِ خَيْرَتُهُ وَمَصْلَحَتُهُ، عَلِمَ قَطْعًا أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ امْتِثَالُهُ، سَوَاءٌ كَانَ مَكْرُوهًا لِلطَّبْعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: يَا أَيُّهَا الْعَبْدُ اعْلَمْ أَنَّ عِلْمِي أَكْمَلُ مِنْ عِلْمِكَ فَكُنْ مُشْتَغِلًا بِطَاعَتِي وَلَا تَلْتَفِتْ إِلَى مُقْتَضَى طَبْعِكَ فَهَذِهِ الْآيَةُ فِي هَذَا الْمَقَامِ تَجْرِي مَجْرَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي جَوَابِ الملائكة إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ. (مفاتيح الغيب = التفسير الكبير)

[10]  قوله: (وأرسل النبي) هذا بيان لسبب نزول هذه الآيات ومن هنا إلى آخر الربع (حاشية الصاوي)

[11]  قوله: (أول سراياه) أي وكانت تلك السرية إذ ذاك رجال وقيل اثني عشر، أرسلهم النبي لمحل يقال له نخلة جهة الطائف يتجسسون على الكفار ويأتون بأخبارهم، فبينما هم في ذلك الموضع إذ مرت بهم عير لقريش من جهة الطائف ومعها أربعة رجال، فقتل أهل السرية أحد الأربعة وأسروا اثنين وهرب واحد وغنموا العير وما عليها، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة قبل بدر بشهرين. وأعلم أن جملة سراياه وغزواته سبعون، والسرية من خمسة رجال إلى أربعمائة وما فوقها يقال لها جيش، ثم صريح المفسر يقتضي أنه لم يكن قبلها سرية، والذي ذكره في المواهب أن أول سرية كانت في رمضان سابع شهر من هجرته عليه الصلاة والسلام، والثانية في شوال، والثالثة في صفر، وهذه هي الرابعة، وغزا قبل تلك السرية ثلاث غزوات إلا أن يجاب عن المفسر بأن المراد بأول سراياه التي حصل منها القتل والغنيمة للكفار، وأما ما قبلها فلم يقع فيها قتل ولا غنيمة، قوله: (وعليها عبد الله بن جحش) أي أميراً وهو ابن عمة رسول الله. (حاشية الصاوي)

[12]  قوله: (فقاتلوا المشركين) أي الذين كانوا مع العير. (حاشية الصاوي)

[13]  قوله: (والتبس عليهم برجب) أي حيث رأوا الهلال كبيراً فالتبس عليهم هل هو ابن ليلة أو ليلتين قول: (تعيرهم الكفار باستحلاله) أي حيث قال الكفار للمسلمين أنتم قد استحللتم القتال في الأشهر الحرم. (حاشية الصاوي)

[14]  قوله: و {يَسْأَلُونَكَ} أي سؤال اعتراض. (حاشية الصاوي) فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا السَّائِلَ أَكَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنَ الْكَافِرِينَ

وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرِيقَانِ الْأَوَّلُ: الَّذِينَ قَالُوا إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَتَبَ عليهم القتال وقد كان عند القوم الشهر الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَعْظَمُ الْحُرْمَةِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْقِتَالِ لَمْ يَبْعُدْ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْقِتَالِ مُقَيَّدًا بِأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ هَذَا الزَّمَانِ وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ فَدَعَاهُمْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: أَيَحِلُّ لَنَا قِتَالُهُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ؟ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ كَانَ من المسلمين. الْفَرِيقُ الثَّانِي: وَهُمْ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: رَوَوْا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّ وَهُوَ ابْنُ عَمَّتِهِ قَبْلَ قِتَالِ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ، وَبَعْدَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ فِي ثَمَانِيَةِ رَهْطٍ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَعَهْدًا وَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَفْتَحَهُ بَعْدَ مَنْزِلَتَيْنِ، وَيَقْرَأَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَيَعْمَلَ بِمَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنِ اتَّبَعَكَ حَتَّى تَنْزِلَ بَطْنَ نَخْلٍ، فَتَرَصَّدَ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ لَعَلَّكَ أَنْ تَأْتِيَنَا مِنْهُ بِخَيْرٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَمْعًا وَطَاعَةً لِأَمْرِهِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمُ الشَّهَادَةَ فَلْيَنْطَلِقْ مَعِي فَإِنِّي مَاضٍ لِأَمْرِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ التَّخَلُّفَ فَلْيَتَخَلَّفْ فَمَضَى حَتَّى بَلَغَ بَطْنَ نَخْلٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، فَمَرَّ عَلَيْهِمْ عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَثَلَاثَةٌ مَعَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَلَقُوا رَأْسَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَأَوْهَمُوا بِذَلِكَ أَنَّهُمْ قَوْمٌ عُمَّارٌ، ثُمَّ أَتَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنْظَلِيُّ وَهُوَ أَحَدُ مِنْ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَرَمَى عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلَهُ، وَأَسَرُّوا اثْنَيْنِ وَسَاقُوا الْعِيرَ بِمَا فِيهِ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَجَّتْ قُرَيْشٌ وَقَالُوا: قَدِ اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، شَهْرٌ يَأْمَنُ فِيهِ الْخَائِفُ فَيَسْفِكُ فِيهِ الدِّمَاءَ، وَالْمُسْلِمُونَ أَيْضًا قَدِ اسْتَبْعَدُوا ذَلِكَ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِنِّي مَا أَمَرْتُكُمْ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَتَلْنَا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ، ثُمَّ أَمْسَيْنَا فَنَظَرْنَا إِلَى هِلَالِ رَجَبٍ فَلَا نَدْرِي أَفِي رَجَبٍ أَصَبْنَاهُ أَمْ فِي جُمَادَى فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيرَ وَالْأُسَارَى، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْغَنِيمَةَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ إِنَّمَا صَدَرَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ أَكْثَرَ الْحَاضِرِينَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا مُسْلِمِينَ وَثَانِيهَا: أَنَّ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا خِطَابٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَمَّا مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَوْلُهُ: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وهو خطاب مع المسلمين وقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ... وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى [الْبَقَرَةِ: 219، 220] وَثَالِثُهَا: رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ قَوْمًا كَانُوا خَيْرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَأَلُوهُ إِلَّا عَنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً حَتَّى قُبِضَ كلهن في القرآن منها يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ كَانَ مِنَ الْكُفَّارِ قَالُوا: سَأَلُوا الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ حَلَالٌ فَتَكُوا بِهِ وَاسْتَحَلُّوا قِتَالَهُ فِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذه الآية: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ أَيْ يَسْأَلُونَكَ عَنْ قِتَالٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَلَكِنَّ الصَّدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَعَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْكُفْرَ بِهِ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ الْقِتَالِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ غَرَضَهُمْ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنْ يُقَاتِلُوا الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهُ قَوْلَهُ: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [الْبَقَرَةِ: 194] فَصَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّ الْقِتَالَ عَلَى سَبِيلِ الدَّفْعِ جَائِزٌ (مفاتيح الغيب)

[15]  قوله: (بدل اشتمال) أي من الشهر إذ هو مشتمل على القتال لوقوعه فيه. (حاشية الصاوي)

[16]  قوله: {كَبِيرٌ} أي إن كان عمداً. (حاشية الصاوي) أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

المسألة الأولى: قِتالٍ فِيهِ مبتدأ وكَبِيرٌ خَبَرُهُ، وَقَوْلُهُ: قِتالٍ وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً إِلَّا أَنَّهُ تَخَصَّصَ بِقَوْلِهِ: فِيهِ فَحَسُنَ جَعْلُهُ مُبْتَدَأً وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: كَبِيرٌ أَيْ عَظِيمٌ مُسْتَنْكَرٌ كَمَا يُسَمَّى الذَّنْبُ الْعَظِيمُ كَبِيرَةً قَالَ تَعَالَى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ [الْكَهْفِ: 5] فَإِنْ قِيلَ: لِمَ نَكَّرَ الْقِتَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قِتالٍ فِيهِ وَمِنْ حَقِّ النَّكِرَةِ إِذَا تَكَرَّرَتْ أَنْ تَجِيءَ بِاللَّامِ حَتَّى يَكُونَ الْمَذْكُورُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلَ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ الْمَذْكُورُ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشَّرْحِ: 6] .قُلْنَا: نَعَمْ مَا ذَكَرْتُمْ أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا تَكَرَّرَ وَكَانَا نَكِرَتَيْنِ كَانَ الْمُرَادُ بِالثَّانِي إِذَنْ غير الأول والقوم أرادوا بقولهم: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ ذَلِكَ الْقِتَالَ الْمُعَيَّنَ الَّذِي أَقْدَمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، فَقَالَ تَعَالَى: قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ الَّذِي يَكُونُ كَبِيرًا لَيْسَ هُوَ هَذَا الْقِتَالَ الَّذِي سَأَلْتُمْ عَنْهُ، بَلْ هُوَ قِتَالٌ آخَرُ لِأَنَّ هَذَا الْقِتَالَ كَانَ الْغَرَضُ بِهِ نُصْرَةَ الْإِسْلَامِ وَإِذْلَالَ الْكُفْرِ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا مِنَ الْكَبَائِرِ، إِنَّمَا الْقِتَالُ الْكَبِيرُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ الْغَرَضُ فِيهِ هَدْمَ الْإِسْلَامِ وَتَقْوِيَةَ الْكُفْرِ فَكَانَ اخْتِيَارُ التَّنْكِيرِ فِي اللَّفْظَيْنِ لِأَجْلِ هَذِهِ الدَّقِيقَةِ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى مَا صَرَّحَ بِهَذَا الْكَلَامِ لِئَلَّا تَضِيقَ قُلُوبُهُمْ بَلْ أَبْهَمَ الْكَلَامَ بِحَيْثُ يَكُونُ ظَاهِرُهُ كَالْمُوهِمِ لِمَا أَرَادُوهُ، وَبَاطِنُهُ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلْحَقِّ، وَهَذَا إِنَّمَا حَصَلَ بِأَنْ ذَكَرَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْكِيرِ، وَلَوْ أَنَّهُ وَقَعَ التَّعْبِيرُ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا بِلَفْظِ التَّعْرِيفِ لَبَطَلَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ الْجَلِيلَةُ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَهُ تَحْتَ كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِ هَذَا الْكِتَابِ سِرٌّ لَطِيفٌ لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ حُرْمَةُ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ هَلْ بَقِيَ أَمْ نُسِخَ فَنُقِلَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: حَلَفَ لِي عَطَاءٌ بِاللَّهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ الْغَزْوُ فِي الْحَرَمِ، وَلَا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الدَّفْعِ، رَوَى جَابِرٌ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلَّا أَنْ يُغْزَى وَسُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ هَلْ يَصْلُحُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا الْكُفَّارَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ؟ قَالَ نَعَمْ،

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالنَّاسُ بِالثُّغُورِ الْيَوْمَ جَمِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَرَوْنَ الْغَزْوَ مُبَاحًا فِي الشُّهُورِ كُلِّهَا، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ يُنْكِرُهُ عليهم كذلك أحسب قَوْلِ أَهْلِ الْحِجَازِ.وَالْحُجَّةُ فِي إِبَاحَتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التَّوْبَةِ: 5] وَهَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ هَذَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَيَتَنَاوَلُ فَرْدًا وَاحِدًا، وَلَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ الْأَفْرَادِ، فَهَذِهِ الْآيَةُ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى تَحْرِيمِ الْقِتَالِ مُطْلَقًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ النَّسْخِ فِيهِ.  (مفاتيح الغيب)

[17]  قوله: {وَ} (صد عن) قدر ذلك المفسر إشارة إلى أنه معطوف على سبيل مسلط عليه صد، لكن يلزم عليه العطف على المبتدأ قبل أستكمال مسوغه، وأجيب بأنه لا يلزم محذور إلا إذا كان المعطوف أجنبياً من المعطوف عليه، وهنا ليس بأجنبي لأن لكفر والصد عن سبيل الله والمسجد الحرام من واد واحد. (حاشية الصاوي) أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لِلنَّحْوِيِّينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الزَّجَّاجُ، أَنَّ قَوْلَهُ: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ كُلُّهَا مَرْفُوعَةٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهَا قَوْلُهُ: أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْقِتَالَ الَّذِي سَأَلْتُمْ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا، إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَكْبَرُ مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ تَمْتَنِعُوا عَنْهَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَكَيْفَ تَعِيبُونَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ عَلَى ذَلِكَ الْقِتَالِ مَعَ أَنَّ لَهُ فِيهِ عُذْرًا ظَاهِرًا، فَإِنَّهُ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَتْلُ وَاقِعًا فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [الْبَقَرَةِ: 44] ، لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصَّفِّ: 2] وَهَذَا وَجْهٌ ظَاهِرٌ، إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْجَرِّ فِي قَوْلِهِ: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَذَكَرُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الْهَاءِ فِي بِهِ وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ قَالُوا: وَهُوَ مُتَأَكِّدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الْحَجِّ: 25] .وَاعْتَرَضُوا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ: مَرَرْتُ بِهِ وَعَمْرٍو، وَعَلَى الثَّانِي بِأَنَّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَعَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَوْلُهُ: عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ صِلَةٌ لِلصَّدِّ، وَالصِّلَةُ وَالْمَوْصُولُ فِي حُكْمِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، فَإِيقَاعُ الْأَجْنَبِيِّ بَيْنَهُمَا لَا يَكُونُ جَائِزًا. أُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ: لِمَ لَا يَجُوزُ إِضْمَارُ حَرْفِ الْجَرِّ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَكُفْرٌ بِهِ وَبِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْإِضْمَارُ فِي كَلَامِ اللَّهِ لَيْسَ بِغَرِيبٍ، ثُمَّ يَتَأَكَّدُ هذا بقراءة حمزة تساءلون به والأرحام [النساء: 1] عَلَى سَبِيلِ الْخَفْضِ وَلَوْ أَنَّ حَمْزَةَ رَوَى هَذِهِ اللُّغَةَ لَكَانَ مَقْبُولًا بِالِاتِّفَاقِ، فَإِذَا قَرَأَ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَقْبُولًا، وَأَمَّا الْأَكْثَرُونَ الَّذِينَ اخْتَارُوا الْقَوْلَ الثَّانِيَ قَالُوا: لَا شَكَّ أَنَّهُ يَقْتَضِي وُقُوعَ الْأَجْنَبِيِّ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لا يجوز إلا أنا تحملناه هاهنا لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الصَّدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْكُفْرَ بِهِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي الْمَعْنَى، فَكَأَنَّهُ لَا فَصْلَ الثَّانِي: أَنَّ مَوْضِعَ قَوْلِهِ: وَكُفْرٌ بِهِ عَقِيبَ قَوْلِهِ: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَّا أَنَّهُ قُدِّمَ عَلَيْهِ لِفَرْطِ الْعِنَايَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص: 4] كَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: وَلَمْ يكن له أحد كفوا إِلَّا أَنَّ فَرْطَ الْعِنَايَةِ أَوْجَبَ تَقْدِيمَهُ فَكَذَا هاهنا. الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ وَأَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ عَطْفٌ بِالْوَاوِ عَلَى الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَالتَّقْدِيرُ: يَسْأَلُونَكَ عَنْ قِتَالٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: قِتالٍ فِيهِ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ خَبَرٌ بعد خبر، والتقدير: إن قتلا فِيهِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَبِيرٌ وَبِأَنَّهُ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَبِأَنَّهُ كُفْرٌ بِاللَّهِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ جُمْلَةَ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَكُفْرٌ بِهِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ: قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَبِيرٌ وَكُفْرٌ بِهِ كَبِيرٌ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُكَ: زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ وَعَمْرٌو، تَقْدِيرُهُ: وَعَمْرٌو مُنْطَلِقٌ، طَعَنَ الْبَصْرِيُّونَ فِي هَذَا الْجَوَابِ فَقَالُوا: أَمَّا قَوْلُكُمْ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: يَسْأَلُونَكَ عَنْ قِتَالٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ السُّؤَالَ كَانَ وَاقِعًا عَنِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ لَا عَنِ الْقِتَالِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَطَعَنُوا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْقِتَالُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ كُفْرًا بِاللَّهِ، وَهُوَ خَطَأٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَطَعَنُوا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ أَيْ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ إِخْرَاجُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ مِنَ الْمَسْجِدِ أَكْبَرَ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكُفْرِ، وَهُوَ خَطَأٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَقُولُ: لِلْفَرَّاءِ أَنْ يُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ مَنِ الَّذِي أَخْبَرَكُمْ بِأَنَّهُ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنِ الْقِتَالِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ وَقَعَ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مُسْتَعْظِمِينَ لِلْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَفِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا: كَالْآخَرِ فِي الْقُبْحِ عِنْدَ الْقَوْمِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ جَمَعُوهُمَا فِي السُّؤَالِ، وَقَوْلُهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقِتَالُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ كُفْرًا. قُلْنَا: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ كُفْرًا وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي الْإِثْبَاتِ لَا تُفِيدُ الْعُمُومَ، وَعِنْدَنَا أَنَّ قِتَالًا وَاحِدًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كُفْرٌ، وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ قِتَالٍ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ إِخْرَاجُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ مِنْهُ أَكْبَرَ مِنَ الْكُفْرِ، قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ هُمُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالصَّحَابَةُ، وَإِخْرَاجُ الرَّسُولِ مِنَ الْمَسْجِدِ عَلَى سَبِيلِ الْإِذْلَالِ لَا شَكَّ أَنَّهُ كُفْرٌ وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ كُفْرًا فَهُوَ ظُلْمٌ لِأَنَّهُ إِيذَاءٌ لِلْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ جرم سابق وعرض لا حق وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يَكُونُ ظُلْمًا وَكُفْرًا، أَكْبَرُ وَأَقْبَحُ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّا يَكُونُ كُفْرًا وَحْدَهُ، فَهَذَا جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي تَقْرِيرِ قول الفراء. الوجه الثَّالِثُ: فِي الْآيَةِ قَوْلُهُ: قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ قِتَالًا فِيهِ مَوْصُوفٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَأَمَّا الْخَفْضُ فِي قَوْلِهِ: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَهُوَ وَاوُ الْقَسَمِ إِلَّا أَنَّ الْجُمْهُورَ مَا أَقَامُوا لِهَذَا الْقَوْلِ وَزْنًا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَمَّا الصَّدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَفِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُ صَدٌّ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَثَانِيهَا: صَدٌّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ يُهَاجِرُوا إِلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَثَالِثُهَا: / صَدٌّ الْمُسْلِمِينَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَنْ عُمْرَةِ الْبَيْتِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الرِّوَايَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَقِصَّةُ الْحُدَيْبِيَةِ كَانَتْ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَا كَانَ فِي مَعْلُومِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ كَالْوَاقِعِ، وَأَمَّا الْكُفْرُ بِاللَّهِ فَهُوَ الْكُفْرُ بِكَوْنِهِ مُرْسِلًا لِلرُّسُلِ، مُسْتَحِقًّا لِلْعِبَادَةِ، قَادِرًا عَلَى الْبَعْثِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَإِنْ عَطَفْنَاهُ عَلَى الضَّمِيرِ فِي بِهِ كَانَ الْمَعْنَى: وَكُفْرٌ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَعْنَى الْكُفْرِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُوَ مَنْعُ النَّاسِ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَالطَّوَافِ بِهِ، فَقَدْ كَفَرُوا بِمَا هُوَ السَّبَبُ فِي فَضِيلَتِهِ الَّتِي بِهَا يَتَمَيَّزُ عَنْ سَائِرِ الْبِقَاعِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ الْمَعْنَى: وَصَدٌّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ صَدُّوا عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعَ السُّجُودَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَسْجِدِ، بَلْ مِنْ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُمْ أَهْلًا لَهُ إِذْ كَانُوا هُمُ الْقَائِمِينَ بِحُقُوقِ الْبَيْتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها [الْفَتْحِ: 26] وَقَالَ تَعَالَى: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [الْأَنْفَالِ: 34] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ خَرَجُوا بِشِرْكِهِمْ عَنْ أَنْ يَكُونُوا أَوْلِيَاءَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَكَمَ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا أَكْبَرُ، أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَكْبَرُ مِنْ قِتَالٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَكْبَرُ مِنْ قِتَالٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُفْرٌ، وَالْكُفْرُ أَعْظَمُ مِنَ الْقِتَالِ وَالثَّانِي: أَنَّا نَدَّعِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَكْبَرُ مِنْ قِتَالٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَهُوَ الْقِتَالُ الَّذِي صَدَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَهُوَ مَا كَانَ قَاطِعًا بِوُقُوعِ ذَلِكَ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ قَاطِعُونَ بِوُقُوعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَكْبَرَ. أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ فَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْفِتْنَةِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: هِيَ الْكُفْرُ وَهَذَا الْقَوْلُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَهُوَ عِنْدِي ضَعِيفٌ، لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَكُفْرٌ بِهِ ... أَكْبَرُ فَحَمْلُ الْفِتْنَةِ عَلَى الْكُفْرِ يَكُونُ تَكْرَارًا، بَلْ هَذَا التَّأْوِيلُ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْفِتْنَةَ هِيَ مَا كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ، تَارَةً بِإِلْقَاءِ الشُّبَهَاتِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَتَارَةً بِالتَّعْذِيبِ، كَفِعْلِهِمْ بِبِلَالٍ وَصُهَيْبٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْفِتْنَةَ عِبَارَةٌ عَنِ الِامْتِحَانِ، يُقَالُ فَتَنْتَ الذَّهَبَ بِالنَّارِ إِذَا أَدْخَلْتَهُ فِيهَا لِتُزِيلَ الْغِشَّ عَنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التَّغَابُنِ: 15] أَيِ امْتِحَانٌ لَكُمْ لِأَنَّهُ إِذَا لَزِمَهُ إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَفَكَّرَ فِي وَلَدِهِ، فَصَارَ ذَلِكَ مَانِعًا لَهُ عَنِ الْإِنْفَاقِ، وَقَالَ تَعَالَى: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [الْعَنْكَبُوتِ: 1، 2] أَيْ لَا يُمْتَحَنُونَ فِي دِينِهِمْ بِأَنْوَاعِ الْبَلَاءِ، وَقَالَ: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً [طَهَ: 40] وَإِنَّمَا هُوَ الِامْتِحَانُ بِالْبَلْوَى، وَقَالَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ [الْعَنْكَبُوتِ: 10] وَالْمُرَادُ بِهِ الْمِحْنَةُ الَّتِي تُصِيبُهُ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ مِنَ الْكُفَّارِ وَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا [الْبُرُوجِ: 10] وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ آذُوهُمْ وَعَرَضُوهُمْ عَلَى الْعَذَابِ لِيَمْتَحِنُوا ثَبَاتَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، وَقَالَ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النِّسَاءِ: 101] وَقَالَ: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ [الصَّافَّاتِ: 162، 163] وَقَالَ: فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ [آلِ عِمْرَانَ: 7] أَيِ الْمِحْنَةِ فِي الدِّينِ وَقَالَ: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [الْمَائِدَةِ: 49] وَقَالَ: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [الممتحنة: 5] وَقَالَ: رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [يُونُسَ: 85] وَالْمَعْنَى أَنْ يُفْتَنُوا بِهَا عَنْ دِينِهِمْ فَيَتَزَيَّنَ فِي أَعْيُنِهِمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الكفر والظلم وقال: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ [الْقَلَمِ: 5، 6] قِيلَ: الْمَفْتُونُ الْمَجْنُونُ، وَالْجُنُونُ فِتْنَةٌ، إِذْ هُوَ مِحْنَةٌ وَعُدُولٌ عَنْ سَبِيلِ أَهْلِ السَّلَامَةِ فِي الْعُقُولِ. فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّ الْفِتْنَةَ هِيَ الِامْتِحَانُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْفِتْنَةَ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ عَنِ الدِّينِ تُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ الْكَثِيرِ فِي الدُّنْيَا، وَإِلَى اسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ الدَّائِمِ فِي الْآخِرَةِ، فَصَحَّ أَنَّ الْفِتْنَةَ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ فَضْلًا عَنْ ذَلِكَ الْقَتْلِ الَّذِي وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ وَهُوَ قَتْلُ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ. رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ صَاحِبُ هَذِهِ السَّرِيَّةِ إِلَى مُؤْمِنِي مَكَّةَ: إِذَا عَيَّرَكُمُ الْمُشْرِكُونَ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَعَيِّرُوهُمْ أَنْتُمْ بِالْكُفْرِ وَإِخْرَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، وَمَنْعِ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ  (مفاتيح الغيب)

[18]  قوله: (وخبر المبتدأ) أي وما عطف عليه وإنما أفرد الخبر لأنه اسم تفضيل مجرد، والقاعدة أن اسم التفضيل إذا كان مجرداً أو مضافاً لنكرة يلزم أن يكون بلفظ واحد للمثنى والجمع والمذكر والمؤنث، قال ابن مالك:

وإن لمنكور يضف أو جرداًألزم تذكيراً وإن يوحدا (حاشية الصاوي)

[19]  قوله: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ} المقصود من ذلك تحريض المؤمنين على القتال. (حاشية الصاوي) وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [الْبَقَرَةِ: 120] ومعنى: لا يَزالُونَ أَيْ يَدُومُونَ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ لِأَنَّ الزَّوَالَ يُفِيدُ النَّفْيَ فَإِذَا أَدْخَلْتَ عَلَيْهِ: مَا، كَانَ ذَلِكَ نَفْيًا لِلنَّفْيِ فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الثُّبُوتِ الدَّائِمِ (مفاتيح الغيب)

[20] قوله: (كي) {يَرُدُّوكُمْ} أشار بذلك إلى أن حتى للتعليل والفعل منصوب بأن مضمرة بعدها، وعن دينكم متعلق بيردوكم. (حاشية الصاوي) قَوْلُهُ: حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ أَيْ إِلَى أَنْ يَرُدُّوكُمْ وَقِيلَ الْمَعْنَى: لِيَرُدُّوكُمْ (مفاتيح الغيب)

[21]  قوله: {إِن اسْتَطَاعُواْ} جملة شرطية حذف جوابها لدلالة ما قبلها عليه ومفعولها محذوف إيضاً، أي إن استطاعوا ذلك فلا يزالون يقاتلونكم. (حاشية الصاوي) قَوْلُهُ: إِنِ اسْتَطاعُوا اسْتِبْعَادٌ لِاسْتِطَاعَتِهِمْ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِعَدُوِّهِ: إِنْ ظَفِرْتَ بِي فَلَا تُبْقِ عَلَيَّ وَهُوَ وَاثِقٌ بِأَنَّهُ لَا يَظْفَرُ بِهِ (مفاتيح الغيب)

[22]  قوله: و {أَعْمَالُهُمْ} (الصالحة) أي وأما السيئة فباقية يعذبون عليها. (حاشية الصاوي)  الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ غَرَضَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْمُقَاتَلَةِ هُوَ أَنْ يَرْتَدَّ الْمُسْلِمُونَ عَنْ دِينِهِمْ، ذَكَرَ بَعْدَهُ وَعِيدًا شَدِيدًا عَلَى الرِّدَّةِ، فَقَالَ: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاسْتَوْجَبَ الْعَذَابَ الدَّائِمَ فِي النَّارِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الِارْتِدَادَ إِنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ إِذَا مَاتَ الْمُرْتَدُّ عَلَى الْكُفْرِ، أَمَّا إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ الرِّدَّةِ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ تَفَرَّعَ عَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ بَحْثٌ أُصُولِيٌّ وَبَحْثٌ فُرُوعِيٌّ، أَمَّا الْبَحْثُ الْأُصُولِيُّ فَهُوَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ زَعَمُوا أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ حُصُولُ الْمُوَافَاةِ، فَالْإِيمَانُ لَا يَكُونُ إِيمَانًا إِلَّا إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهِ وَالْكُفْرُ لَا يَكُونُ كُفْرًا إِلَّا إِذَا مَاتَ الْكَافِرُ عَلَيْهِ، قَالُوا: لِأَنَّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْإِيمَانُ الظَّاهِرُ إِيمَانًا فِي الْحَقِيقَةِ لَكَانَ قَدِ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الثَّوَابَ الْأَبَدِيَّ، ثُمَّ بَعْدَ كُفْرِهِ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ الْأَبَدِيَّ فَإِمَّا أَنْ يَبْقَى الِاسْتِحْقَاقَانِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الطَّارِئَ يُزِيلُ السَّابِقَ وَهَذَا مُحَالٌ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُنَافَاةَ حَاصِلَةٌ بَيْنَ السَّابِقِ وَالطَّارِئِ، فَلَيْسَ كَوْنُ الطَّارِئِ مُزِيلًا لِلسَّابِقِ أَوْلَى مِنْ كَوْنِ السَّابِقِ دَافِعًا لِلطَّارِئِ، بَلِ الثَّانِي أَوْلَى لِأَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنَ الرَّفْعِ وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمُنَافَاةَ إِذَا كَانَتْ حَاصِلَةً مِنَ الْجَانِبَيْنِ، كَانَ شَرْطُ طَرَيَانِ الطَّارِئِ زَوَالَ السَّابِقِ فَلَوْ عَلَّلْنَا زَوَالَ السَّابِقِ بِطَرَيَانِ الطَّارِئِ لَزِمَ الدَّوْرُ وَهُوَ مُحَالٌ وَثَالِثُهَا: أَنَّ ثَوَابَ الْإِيمَانِ السَّابِقِ وَعِقَابَ الْكُفْرِ الطَّارِئِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ أَوْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَزْيَدَ مِنَ الْآخَرِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا وَجَبَ أَنْ يَتَحَابَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، فَحِينَئِذٍ يَبْقَى الْمُكَلَّفُ لَا مِنْ أَهْلِ الثَّوَابِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْعِقَابِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنِ ازْدَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَلْنَفْرِضْ أَنَّ السَّابِقَ أَزْيَدُ، فَعِنْدَ طَرَيَانِ الطَّارِئِ لَا يَزُولُ إِلَّا مَا يُسَاوِيهِ، فَحِينَئِذٍ يَزُولُ بَعْضُ الِاسْتِحْقَاقَاتِ دُونَ الْبَعْضِ مَعَ كَوْنِهَا مُتَسَاوِيَةً فِي الْمَاهِيَّةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ تَرْجِيحًا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ وَهُوَ مُحَالٌ، لِنَفْرِضْ أَنَّ السَّابِقَ أَقَلُّ فَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّارِئُ الزَّائِدَ، يَكُونُ جُمْلَةُ أَجْزَائِهِ مُؤَثِّرَةً في إزالة السابق فحينئذ يجمع على الأثر الواحد مؤثرات يكون مُسْتَقِلَّةٌ وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثِّرُ فِي إِزَالَةِ السَّابِقِ بَعْضَ أَجْزَاءِ الطَّارِئِ دُونَ الْبَعْضِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ الْبَعْضِ بِالْمُؤَثِّرِيَّةِ تَرْجِيحًا لِلْمِثْلِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ وَهُوَ مُحَالٌ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُؤْمِنًا ثُمَّ كَفَرَ، فَذَلِكَ الْإِيمَانُ السَّابِقُ، وَإِنْ كُنَّا نَظُنُّهُ إِيمَانًا إِلَّا أَنَّهُ مَا كَانَ عِنْدَ اللَّهِ إِيمَانًا، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُوَافَاةَ شَرْطٌ لِكَوْنِ الْإِيمَانِ إِيمَانًا، وَالْكُفْرِ كُفْرًا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّ شَرْطَ كَوْنِ الرِّدَّةِ مُوجِبَةً لِتِلْكَ الْأَحْكَامِ أَنْ يَمُوتَ الْمُرْتَدُّ عَلَى تِلْكَ الرِّدَّةِ. أَمَّا الْبَحْثُ الْفُرُوعِيُّ فَهُوَ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا صَلَّى ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْوَقْتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا أَدَّى وَكَذَلِكَ الْحَجُّ، حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ شَرْطٌ فِي حُبُوطِ الْعَمَلِ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ كَافِرٌ، وَهَذَا الشَّخْصُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ هَذَا الشَّرْطُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِيرَ عَمَلُهُ مُحْبَطًا، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [الْأَنْعَامِ: 88] وَقَوْلِهِ: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [الْمَائِدَةِ: 5] لَا يُقَالُ: حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاجِبٌ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ عَلَّقَ حُكْمًا بِشَرْطَيْنِ، وَعَلَّقَهُ بِشَرْطِ أَنَّ الْحُكْمَ ينزل عند أيهما وجد، كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إِذَا جَاءَ يَوْمُ الْخَمِيسِ، أَنْتَ حُرٌّ إِذَا جَاءَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ: لَا يَبْطُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، بَلْ إِذَا جَاءَ يَوْمُ الْخَمِيسِ عَتَقَ، وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ فَجَاءَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَلَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ عَتَقَ بِالتَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ. وَالسُّؤَالُ الثَّانِي: عَنِ التَّمَسُّكِ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمَوْتَ عَلَى الرِّدَّةِ شَرْطٌ لِمَجْمُوعِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ: الْخُلُودَ فِي النَّارِ وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا مَعَ هَذَا الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي حَبْطِ الْأَعْمَالِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَوْتَ عَلَى الرِّدَّةِ شَرْطٌ فِيهِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ لَا مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَبِشَرْطَيْنِ، لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ وَبِشَرْطَيْنِ إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَانِعًا مِنْ تَعْلِيقِهِ بِالْآخَرِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَوْ جَعَلْنَا مُجَرَّدَ الرِّدَّةِ مُؤَثِّرًا فِي الْحُبُوطِ لَمْ يَبْقَ لِلْمَوْتِ عَلَى الرِّدَّةِ أَثَرٌ فِي الْحُبُوطِ أَصْلًا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ وَبِشَرْطَيْنِ بَلْ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ. وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي: فَجَوَابُهُ أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ إِنَّمَا تُوجِبُ الْحُبُوطَ بِشَرْطِ الْمَوْتِ عَلَى الرِّدَّةِ، وَإِنَّمَا تُوجِبُ الْخُلُودَ فِي النَّارِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ عَلَى الرِّدَّةِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَذَلِكَ السُّؤَالُ سَاقِطٌ. أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَفِيهِ مَسَائِلُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ الْحَبَطِ أَنْ تَأْكُلَ الْإِبِلُ شَيْئًا يَضُرُّهَا فَتَعْظُمَ بُطُونُهَا فَتَهْلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ «وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ» فَسَمَّى بُطْلَانَ الْأَعْمَالِ بِهَذَا لِأَنَّهُ كَفَسَادِ الشَّيْءِ بِسَبَبِ وُرُودِ الْمُفْسِدِ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُرَادُ مِنْ إِحْبَاطِ الْعَمَلِ لَيْسَ هُوَ إبطال نفس العمل، لأن العمل شيء كما وُجِدَ فَنِيَ وَزَالَ، وَإِعْدَامُ الْمَعْدُومِ مُحَالٌ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِيهِ، فَقَالَ الْمُثْبِتُونَ لِلْإِحْبَاطِ وَالتَّكْفِيرِ: الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ عِقَابَ الرِّدَّةِ الْحَادِثَةِ يُزِيلُ ثَوَابَ الْإِيمَانِ السَّابِقِ، إِمَّا بِشَرْطِ الْمُوَازَنَةِ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي هَاشِمٍ وَجُمْهُورِ الْمُتَأَخِّرِينَ من المعتزلة أولا بِشَرْطِ الْمُوَازَنَةِ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي عَلِيٍّ، وَقَالَ الْمُنْكِرُونَ لِلْإِحْبَاطِ بِهَذَا الْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنَ الْإِحْبَاطِ الْوَارِدِ فِي كِتَابِ اللَّهِ هُوَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا أَتَى بِالرِّدَّةِ فَتِلْكَ الرِّدَّةُ عَمَلٌ مُحْبِطٌ لِأَنَّ الْآتِيَ بِالرِّدَّةِ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بَدَلَهَا بِعَمَلٍ يَسْتَحِقُّ بِهِ ثَوَابًا فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ الْعَمَلِ الْجَيِّدِ وَأَتَى بَدَلَهُ بِهَذَا الْعَمَلِ الرَّدِيءِ الَّذِي لَا يَسْتَفِيدُ مِنْهُ نَفْعًا بَلْ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ أَعْظَمَ الْمَضَارِّ يُقَالُ: إِنَّهُ أَحْبَطَ عَمَلَهُ أَيْ أَتَى بِعَمَلٍ بَاطِلٍ لَيْسَ فِيهِ فَائِدَةٌ بَلْ فِيهِ مَضَرَّةٌ، ثُمَّ قَالَ الْمُنْكِرُونَ لِلْإِحْبَاطِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْإِحْبَاطِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي لَفْظِ الْإِحْبَاطِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَجَازًا وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، لِأَنَّا ذَكَرْنَا الدَّلَائِلَ الْقَاطِعَةَ فِي مَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُوَافَاةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ، عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ أَثَرَ الْفِعْلِ الْحَادِثِ يُزِيلُ أَثَرَ الْفِعْلِ السَّابِقِ مُحَالٌ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَمَّا حُبُوطُ الْأَعْمَالِ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ أَنَّهُ يُقْتَلُ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِ وَيُقَاتَلُ إِلَى أَنْ يُظْفَرَ بِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مُوَالَاةً وَلَا نَصْرًا وَلَا ثَنَاءً حَسَنًا، وَتَبِينُ زَوْجَتُهُ مِنْهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا أَنَّ مَا يُرِيدُونَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ مِنَ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِينَ وَمُكَايَدَتِهِمْ بِالِانْتِقَالِ عَنْ دِينِهِمْ يَبْطُلُ كُلُّهُ، فَلَا يَحْصُلُونَ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ لِإِعْزَازِ اللَّهِ الْإِسْلَامَ بِأَنْصَارِهِ فَتَكُونُ الْأَعْمَالُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا يَعْمَلُونَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ، وَأَمَّا حُبُوطُ أَعْمَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ فَعِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْإِحْبَاطِ مَعْنَاهُ أَنَّ هذه الردة تبطل استحقاقهم للثواب الذي استقوه بِأَعْمَالِهِمُ السَّالِفَةِ، وَعِنْدَ الْمُنْكِرِينَ لِذَلِكَ مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ لَا يَسْتَفِيدُونَ مِنْ تِلْكَ الرِّدَّةِ ثَوَابًا وَنَفْعًا فِي الْآخِرَةِ بَلْ يَسْتَفِيدُونَ مِنْهَا أَعْظَمَ الْمَضَارِّ، ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ تِلْكَ الْمَضَرَّةِ فَقَالَ تَعَالَى: وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. (مفاتيح الغيب)

[23]  قوله: (وعليه الشافعي) هذا ضعيف والمعتمد عنده أنه يرجع له عمله مجرداً عن الثواب، وأما عند مالك وأبي حنيفة فهو كالكافر الأصلي إذا أسلم فلا يرجع له شيء من أعماله، ولا يؤمر بالقضاء ترغيباً له في الإسلام إلا ما أسلم في وقته فيفعله، وثمرة الخلاف تظهر في صحابي ارتد ثم عاد للإسلام ولم تثبت رؤيته للنبي بعد ذلك، هل ترجع له الصحبة مجردة عن الثواب، وعليه الشافعي أولاً وعليه مالك وأبو حنيفة، وأما زوجته، فتبين منه وترجع له بالإسلام من غير عقد عند الشافعي، وعند مالك وأبي حنيفة لا ترجع له إلا بالعقد، وحكم المرتد عند مالك أنه يستتاب ثلاثة أيام، فان تاب وإلا قتل بعد غروب الثالث. (حاشية الصاوي)  

Comments
0 Comments

Tidak ada komentar: