HIDUP ADALAH UJIAN

SELAMAT DATANG DI BLOG " KHAIRUL IKSAN "- Phone : +6281359198799- e-mail : khairul.iksan123@gmail.com

Sabtu, 11 Maret 2023

مَعْنَى الْهِدَايَةِ

 ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ أَوَّلًا مَا قَالُوهُ فِي مَعْنَى الْهِدَايَةِ لُغَةً مِنْ أَنَّهَا: الدَّلَالَةُ بِلُطْفٍ عَلَى مَا يُوَصِّلُ إِلَى الْمَطْلُوبِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنْوَاعَهَا وَمَرَاتِبَهَا فَقَالَ مَا مِثَالُهُ: مَنَحَ اللهُ تَعَالَى الْإِنْسَانَ أَرْبَعَ هِدَايَاتٍ يَتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى سَعَادَتِهِ.

1)    (أُولَاهَا) : هِدَايَةُ الْوُجْدَانِ الطَّبِيعِيِّ وَالْإِلْهَامُ الْفِطْرِيُّ. وَتَكُونُ لِلْأَطْفَالِ مُنْذُ وِلَادَتِهِمْ، فَإِنَّ الطِّفْلَ بَعْدَ مَا يُولَدُ يَشْعُرُ بِأَلَمِ الْحَاجَةِ إِلَى الْغِذَاءِ فَيَصْرُخُ طَالِبًا لَهُ بِفِطْرَتِهِ، وَعِنْدَمَا يَصِلُ الثَّدْيُ إِلَى فِيهِ يُلْهَمُ الْتِقَامَهُ وَامْتِصَاصَهُ.

2)    (الثَّانِيَةُ) : هِدَايَةُ الْحَوَّاسِ وَالْمَشَاعِرِ، وَهِيَ مُتَمِّمَةٌ لِلْهِدَايَةِ الْأُولَى فِي الْحَيَاةِ الْحَيَوَانِيَّةِ، وَيُشَارِكُ الْإِنْسَانَ فِيهِمَا الْحَيَوَانُ الْأَعْجَمُ، بَلْ هُوَ فِيهِمَا أَكْمَلُ مِنَ الْإِنْسَانِ، فَإِنَّ حَوَاسَّ الْحَيَوَانِ وَإِلْهَامَهُ يَكْمُلَانِ لَهُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ بِقَلِيلٍ، بِخِلَافِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْمُلُ فِيهِ بِالتَّدْرِيجِ فِي زَمَنٍ غَيْرِ قَصِيرٍ، أَلَا تَرَاهُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ لَا تَظْهَرُ عَلَيْهِ عَلَامَاتُ إِدْرَاكِ الْأَصْوَاتِ وَالْمَرْئِيَّاتِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يُبْصِرُ، وَلَكِنَّهُ لِقِصَرِ نَظَرِهِ يَجْهَلُ تَحْدِيدَ الْمَسَافَاتِ، فَيَحْسَبُ الْبَعِيدَ قَرِيبًا فَيَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَيْهِ لِيَتَنَاوَلَهُ وَإِنْ كَانَ قَمَرَ السَّمَاءِ وَلَا يَزَالُ يَغْلَطُ حِسُّهُ حَتَّى فِي طَوْرِ الْكَمَالِ:

3)    (الْهِدَايَةُ الثَّالِثَةُ) : الْعَقْلُ، خَلَقَ اللهُ الْإِنْسَانَ لِيَعِيشَ مُجْتَمِعًا وَلَمْ يُعْطَ مِنَ الْإِلْهَامِ وَالْوِجْدَانِ مَا يَكْفِي مَعَ الْحِسِّ الظَّاهِرِ لِهَذِهِ الْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ كَمَا أُعْطِيَ النَّحْلُ وَالنَّمْلُ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ مَنَحَهَا مِنَ الْإِلْهَامِ مَا يَكْفِيهَا، لِأَنْ تَعِيشَ مُجْتَمِعَةً يُؤَدِّي كُلٌّ وَاحِدٌ مِنْهَا وَظِيفَةَ الْعَمَلِ لِجَمِيعِهَا، وَيُؤَدِّي الْجَمِيعُ وَظِيفَةَ الْعَمَلِ لِلْوَاحِدِ، وَبِذَلِكَ قَامَتْ حَيَاةُ أَنْوَاعِهَا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ.

أَمَّا الْإِنْسَانُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ خَاصَّةِ نَوْعِهِ أَنْ يَتَوَفَّرَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ الْإِلْهَامُ، فَحَبَاهُ اللهُ هِدَايَةً هِيَ أَعْلَى مِنْ هِدَايَةِ الْحِسِّ وَالْإِلْهَامِ، وَهِيَ الْعَقْلُ الَّذِي يُصَحِّحُ غَلَطَ الْحَوَاسِّ وَالْمَشَاعِرِ وَيُبَيِّنُ أَسْبَابَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَصَرَ يَرَى الْكَبِيرَ عَلَى الْبُعْدِ صَغِيرًا، وَيَرَى الْعُودَ الْمُسْتَقِيمَ فِي الْمَاءِ مُعْوَجًّا، وَالصَّفْرَاوِيَّ يَذُوقُ الْحُلْوَ مُرًّا. وَالْعَقْلُ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ بِفَسَادِ مِثْلِ هَذَا الْإِدْرَاكِ.

4)    (الْهِدَايَةُ الرَّابِعَةُ) : الدِّينُ، يُغَلِّطُ الْعَقْلَ فِي إِدْرَاكِهِ كَمَا تَغْلَطُ الْحَوَاسُّ، وَقَدْ يُهْمِلُ الْإِنْسَانُ اسْتِخْدَامَ حَوَاسِّهِ وَعَقْلِهِ فِيمَا فِيهِ سَعَادَتُهُ الشَّخْصِيَّةُ النَّوْعِيَّةُ وَيَسْلُكُ بِهَذِهِ الْهِدَايَاتِ مَسَالِكَ الضَّلَالِ، فَيَجْعَلُهَا مُسَخَّرَةً لِشَهَوَاتِهِ وَلَذَّاتِهِ حَتَّى تُورِدَهُ مَوَارِدَ الْهَلَكَةِ. فَإِذَا وَقَعَتِ الْمَشَاعِرُ فِي مَزَالِقِ الزَّلَلِ، وَاسْتَرَقَّتِ الْحُظُوظُ وَالْأَهْوَاءُ الْعَقْلَ فَصَارَ يَسْتَنْبِطُ لَهَا ضُرُوبَ الْحِيَلِ، فَكَيْفَ يَتَسَنَّى لِلْإِنْسَانِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَعِيشَ سَعِيدًا؟ وَهَذِهِ الْحُظُوظُ وَالْأَهْوَاءُ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ يَقِفُ الْإِنْسَانُ عِنْدَهُ وَمَا هُوَ بِعَائِشٍ وَحْدَهُ، وَكَثِيرًا مَا تَتَطَاوَلُ بِهِ إِلَى مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ، فَهِيَ لِهَذَا تَقْتَضِي أَنْ يَعْدُوَ بَعْضُ أَفْرَادِهِ عَلَى بَعْضٍ، فَيَتَنَازَعُونَ وَيَتَدَافَعُونَ، وَيَتَجَادَلُونَ وَيَتَجَالَدُونَ، وَيَتَوَاثَبُونَ وَيَتَنَاهَبُونَ حَتَّى يُفْنِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَا تُغْنِيَ عَنْهُمْ تِلْكَ الْهِدَايَاتُ شَيْئًا فَاحْتَاجُوا إِلَى هِدَايَةٍ تُرْشِدُهُمْ فِي ظُلُمَاتِ أَهْوَائِهِمْ، إِذَا هِيَ غَلَبَتْ عَلَى عُقُولِهِمْ، وَتُبَيِّنُ لَهُمْ حُدُودَ أَعْمَالِهِمْ لِيَقِفُوا عِنْدَهَا وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ عَمَّا وَرَاءَهَا. ثُمَّ إِنَّ مِمَّا أُودِعَ فِي غَرَائِزِ الْإِنْسَانِ الشُّعُورُ بِسُلْطَةٍ غَيْبِيَّةٍ مُتَسَلِّطَةٍ عَلَى الْأَكْوَانِ يَنْسِبُ إِلَيْهَا كُلَّ مَا لَا يَعْرِفُ لَهُ سَبَبًا. لِأَنَّهَا هِيَ الْوَاهِبَةُ كُلَّ مَوْجُودٍ مَا بِهِ قِوَامُ وُجُودِهِ، وَبِأَنَّ لَهُ حَيَاةً وَرَاءَ هَذِهِ الْحَيَاةِ الْمَحْدُودَةِ، فَهَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِلَ بِتِلْكَ الْهِدَايَاتِ الثَّلَاثِ إِلَى تَحْدِيدِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِصَاحِبِ تِلْكَ السُّلْطَةِ الَّذِي خَلَقَهُ وَسَوَّاهُ، وَوَهَبَهُ هَذِهِ الْهِدَايَاتِ وَغَيْرَهَا، وَمَا فِيهِ سَعَادَتُهُ فِي تِلْكَ الْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ؟ كَلَّا إِنَّهُ فِي أَشَدِّ الْحَاجَةِ إِلَى هَذِهِ الْهِدَايَةِ الرَّابِعَةِ - الدِّينِ - وَقَدْ مَنَحَهُ اللهُ تَعَالَى إِيَّاهَا.

أَشَارَ الْقُرْآنُ إِلَى أَنْوَاعِ الْهِدَايَةِ الَّتِي وَهَبَهَا اللهُ تَعَالَى لِلْإِنْسَانِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ 90: 10) أَيْ طَرِيقَيِ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ.

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَهَذِهِ تَشْمَلُ هِدَايَةَ الْحَوَّاسِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَهِدَايَةَ الْعَقْلِ وَهِدَايَةَ الدِّينِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) (41: 17) أَيْ دَلَلْنَاهُمْ عَلَى طَرِيقَيِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَسَلَكُوا سُبُلَ الشَّرِّ الْمُعَبِّرِ عَنْهُ بِالْعَمَى. وَذَكَرَ غَيْرَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُمَا ثُمَّ قَالَ: بَقِيَ مَعَنَا هِدَايَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) (6: 90) فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْهِدَايَةِ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، فَالْهِدَايَةُ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ إِيقَافِ الْإِنْسَانِ عَلَى رَأْسِ الطَّرِيقَيْنِ: الْمُهْلِكُ، وَالْمُنْجِي، مَعَ بَيَانِ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَهِيَ مِمَّا تَفَضَّلَ اللهُ بِهِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْبَشَرِ. وَأَمَّا هَذِهِ الْهِدَايَةُ فَهِيَ أَخَصُّ مِنْ تِلْكَ، وَالْمُرَادُ بِهَا إِعَانَتُهُمْ وَتَوْفِيقُهُمْ لِلسَّيْرِ فِي طَرِيقِ الْخَيْرِ وَالنَّجَاةُ مَعَ الدَّلَالَةِ، وَهِيَ لَمْ تَكُنْ مَمْنُوحَةً لِكُلِّ أَحَدٍ كَالْحَوَاسِّ وَالْعَقْلِ وَشَرْعِ الدِّينِ.

وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ عُرْضَةً لِلْخَطَأِ وَالضَّلَالِ فِي فَهْمِ الدِّينِ وَفِي اسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ وَالْعَقْلِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى الْمَعُونَةِ الْخَاصَّةِ، فَأَمَرَنَا اللهُ بِطَلَبِهَا مِنْهُ فِي قَوْلِهِ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فَمَعْنَى " (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ " دُلَّنَا دَلَالَةً تَصْحَبُهَا مَعُونَةٌ غَيْبِيَّةٌ مِنْ لَدُنْكَ تَحَفَظُنَا بِهَا مِنَ الضَّلَالِ وَالْخَطَأِ، وَمَا كَانَ هَذَا أَوَّلَ دُعَاءٍ عَلَّمَنَا اللهُ إِيَّاهُ، إِلَّا لِأَنَّ حَاجَتَنَا إِلَيْهِ أَشَدُّ مِنْ حَاجَتِنَا إِلَى كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ (تفسير المنار)

الهداية هى الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب وهداية الله للإنسان على ضروب:

1)   هداية الإلهام، وتكون للطفل منذ ولادته، فهو يشعر بالحاجة إلى الغذاء ويصرخ طالبا له.

2)   هداية الحواس، وهاتان الهدايتان يشترك فيهما الإنسان والحيوان الأعجم، بل هما فى الحيوان أتمّ منهما فى الإنسان، إذ إلهامه وحواسه يكملان بعد ولادته بقليل، ويحصلان في الإنسان تدريجا.

3)   هداية العقل، وهى هداية أعلى من هداية الحس والإلهام، فالإنسان قد خلق ليعيش مجتمعا مع غيره، وحواسّه وإلهامه لا يكفيان لهذه الحياة، فلا بد له من العقل الذي يصحح له أغلاط الحواس، ألا ترى الصفراوي يذوق الحلو مرّا، والرائي يبصر العود المستقيم فى الماء معوجّا.

4)   هداية الأديان والشرائع، وهى هداية لا بد منها لمن استرقّت الأهواء عقله، وسخّر نفسه للذاته وشهواته، وسلك مسالك الشرور والآثام، وعدا على بنى جنسه، وحدث بينه وبينهم التجاذب والتدافع- فبها يحصل الرشاد إذا غلبت الأهواء العقول، وتتبين للناس الحدود والشرائع، ليقفوا عندها ويكفّوا أيديهم عما وراءها- إلى أن فى غرائز الإنسان الشعور- بسلطان غيبى متسلّط على الأكوان، إليه ينسب كل ما لا يعرف له سببا، وبأن له حياة وراء هذه الحياة المحدودة، وهو بعقله لا يدرك ما يجب لصاحب هذا السلطان، ولا يصل فكره إلى ما فيه سعادته فى هذه الحياة فاحتاج إلى هداية الدين التي تفضل الله بها عليه ووهبه إياها.وإلى تلك الهدايات أشار الكتاب الكريم فى آيات كثيرات كقوله: (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) أي طريقى الخير والشر والسعادة والشقاء. وقوله: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) أي أرشدناهم إلى طريق الخير والشر فاختاروا الثاني الذي عبر عنه بالعمى.

وهناك نوع آخر من الهداية وهو المعونة والتوفيق للسير فى طريق الخير، وهى التي أمرنا الله بطلبها فى قوله: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) إذ المراد- دلّنا دلالة تصحبها من لدنك معونة غيبية تحفظنا بها من الوقوع فى الخطأ والضلال.وهذه الهداية خاصة به سبحانه لم يمنحها أحدا من خلقه، ومن ثمّ نفاها عن النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) وقوله: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) وأثبتها لنفسه فى قوله: (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) .

أما الهداية بمعنى الدلالة على الخير والحق، مع بيان ما يعقب ذلك من السعادة والفوز والفلاح، فهى مما تفضل الله بها على خلقه ومنحهموها، ومن ثم أثبتها للنبى صلى الله عليه وسلم فى قوله: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) .هذا- والصراط المستقيم هو جملة ما يوصل إلى السعادة فى الدنيا والآخرة من عقائد وأحكام وآداب وتشريع دينى كالعلم الصحيح بالله والنبوة وأحوال الكون وأحوال الاجتماع- وقد سمّى هذا صراطا مستقيما تشبيها له بالطريق الحسى، إذ كل منهما موصل إلى غاية، فهذا سير معنوى يوصل إلى غاية يقصدها الإنسان، وذاك سير حسىّ يصل به إلى غاية أخرى. وقد أرشدنا الله إلى طلب الهداية منه، ليكون عونا لنا ينصرنا على أهوائنا وشهواتنا بعد أن نبذل ما نستطيع من الجهد فى معرفة أحكام الشريعة، ونكلف أنفسنا الجري على سننها، لنحصل على خيرى الدنيا والآخرة (تفسير المراغي)

وقد منح الله تعالى للإنسان خمس هدايات يتوصل بها إلى سعادته «(2) تفسير المنار: 1/ 62، تفسير المراغي: 1/ 35» .

1)   هداية الإلهام الفطري: وتكون للطفل منذ ولادته، فهو يحس بالحاجة إلى الطعام والشراب، فيصرخ طالبا له إن غفل عنه والداه.

2)   هداية الحواس: وهي متممة للهداية الأولى، وهاتان الهدايتان يشترك فيهما الإنسان والحيوان، بل هما في البداية أكمل في الحيوان من الإنسان، إذ إلهام الحيوان يكمل بعد ولادته بقليل، ويكتمل في الإنسان تدريجيا.

3)   هداية العقل: وهي أسمى من الهدايتين السابقتين، فالإنسان خلق مدنيا بالطبع ليعيش مع غيره، ولا يكفي الحس الظاهر للحياة الاجتماعية، فلا بد له من العقل الذي يوجهه إلى مسالك الحياة، ويعصمه من الخطأ والانحراف، ويصحح له أغلاط الحواس، والانزلاق في تيارات الهوى.

4)   هداية الدين: وهي الهداية التي لا تخطئ، والمصدر الذي لا يضل، فقد يخطئ العقل، وتنجرف النفس مع اللذات والشهوات، حتى توردها موارد الهلاك، فيحتاج الإنسان إلى مقوّم مرشد هاد لا يتأثر بالأهواء، فتسعفه هداية الدين لإرشاده إلى الطريق الأقوم، إما بعد الوقوع في الخطأ أو قبله، وتظل هذه الهداية هي الحارس الأمين الذي يفيء إليها الإنسان للتزود بمفاتيح الخير، والتسلح بمغلاق الشر، فيأمن العثور، ويضمن النجاة، وتعرّفه بحدود ما يجب عليه لسلطان الله الذي يخضع له في أعماق نفسه، ويحس بالحاجة الملحة لصاحب ذلك السلطان، الذي خلقه وسواه، وأنعم عليه نعما ظاهرة وباطنة، لا تعد ولا تحصى. فصارت هذه الهداية أشد ما يحتاج إليها الإنسان، لتحقيق سعادته.

وقد أشار القرآن إلى تلك الهدايات في آيات كثيرة، منها وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [البلد 90/ 10] أي بينا له طريقي الخير والشر، والسعادة والشقاء. ومنها قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ، فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى [فصلت 41/ 17] أي أرشدناهم إلى طريق الخير والشر، فاختاروا الثاني.

5)    هداية المعونة والتوفيق للسير في طريق الخير والنجاة: وهي أخص من هداية الدين، وهي التي أمرنا الله بدوام طلبها في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أي دلنا دلالة، تصحبها من لدنك معونة غيبية، تحفظنا بها من الضلال والخطأ. وهذه الهداية خاصة به سبحانه، لم يمنحها أحدا من خلقه، بل نفاها عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص 28/ 56] ، وقوله: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ، وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [البقرة 2/ 272] ، وأثبتها لنفسه في قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام 6/ 90] .

أما الهداية بمعنى الدلالة على الخير والحق، فأثبتها الله للنّبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى 42/ 52] .

والخلاصة: الهداية في القرآن نوعان: هداية عامة: وهي الدلالة إلى مصالح العبد في معاده، وهذه تشمل الأنواع الأربعة السابقة، وهداية خاصة: وهي الإعانة والتوفيق للسير في طريق الخير والنجاة، مع الدلالة، وهي النوع الخامس والإضلال نوعان «1» : أحدهما- أن يكون سببه الضلال: إما بأن يضل عنك الشيء كقولك: أضللت البعير، أي ضلّ عني، وإما أن تحكم بضلاله. والضلال في هذين سبب الإضلال. والثاني- أن يكون الإضلال سببا للضلال: وهو أن يزين للإنسان الباطل ليضلّ.

وإضلال الله تعالى للإنسان على أحد وجهين: إما الحكم عليه بالضلال، أو التّمكين من البقاء في الضلال. والأول- سببه الضلال: وهو أن يضل الإنسان، فيحكم الله عليه بذلك في الدنيا، ويعدل به عن طريق الجنة إلى النار في الآخرة، وذلك إضلال هو حق وعدل، لأن الحكم على الضال بضلاله والعدول به عن طريق الجنة إلى النار عدل وحق. والثاني- سببه اختيار الإنسان: وهو أن يختار الإنسان طريق الانحراف، فيمده الله في ضلاله، ويمكّنه من البقاء في طغيانه، ويخلق له القدرة على الاستمرار في كفره وفساده، لذا نسب الله الإضلال للكافر والفاسق، دون المؤمن، بل نفى عن نفسه إضلال المؤمن، فقال: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ [التوبة 9/ 115] ، فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ، سَيَهْدِيهِمْ [محمد 47/ 4- 5] ، وقال في الكافر والفاسق: فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ [محمد 47/ 8] ، وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ [البقرة 2/ 26] ، كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ [غافر 40/ 74] ، وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ [إبراهيم 14/ 27] ، وعلى هذا النحو تقليب الأفئدة في قوله تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ [الأنعام 6/ 110] ، والختم على القلب في قوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [البقرة 2/ 7] ، وزيادة المرض في قوله: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة 2/ 10] ، فمن اختار الضلالة، أبقاه الله فيها، ومنع عنه نفوذ الهداية إلى قلبه، عقابا له من الله تعالى.( التفسير المنير)
Comments
0 Comments

Tidak ada komentar: