Tafsir Ayat Kursi (QS.Al-Baqoroh Ayat 255)
Siapakah “Allah” dan bagaimana
menjelaskannya ?
بسم الله الرحمن الرحيم
ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا
هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُۥ سِنَةٌۭ وَلَا نَوْمٌۭ ۚ لَّهُۥ مَا
فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُۥٓ
إِلَّا بِإِذْنِهِۦ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ
بِشَىْءٍۢ مِّنْ عِلْمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ
وَٱلْأَرْضَ ۖ وَلَا يَـُٔودُهُۥ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيمُ
Allah, tidak ada tuhan
selain Dia, Yang Mahahidup lagi terus-menerus mengurus (makhluk-Nya). Dia tidak
dilanda oleh kantuk dan tidak (pula) oleh tidur. Milik-Nyalah apa yang ada di
langit dan apa yang ada di bumi. Tidak ada yang dapat memberi syafaat di
sisi-Nya tanpa izin-Nya. Dia mengetahui apa yang ada di hadapan mereka dan apa
yang ada di belakang mereka. Mereka tidak mengetahui sesuatu apa pun dari
ilmu-Nya, kecuali apa yang Dia kehendaki. Kursi-Nya (ilmu dan kekuasaan-Nya)
meliputi langit dan bumi. Dia tidak merasa berat memelihara keduanya. Dialah
yang Mahatinggi lagi Maha Agung.
v Tafsir Jalalain & Beberapa Penjelasan Lainnya
(255) {اللَّه[1] لَا إلَه} أَيْ لَا مَعْبُود بِحَقٍّ فِي الْوُجُود {إلَّا هُوَ[2] الْحَيّ[3]} الدَّائِم بِالْبَقَاءِ {الْقَيُّوم[4]} الْمُبَالِغ فِي الْقِيَام بِتَدْبِيرِ خَلْقه {لَا تَأْخُذهُ
سِنَة} نُعَاس {وَلَا نَوْم[5] لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض[6]} مُلْكًا وَخَلْقًا وَعَبِيدًا {مَنْ ذَا الَّذِي} أَيْ لَا أَحَد
{يَشْفَع عِنْده إلَّا بِإِذْنِهِ[7]} لَهُ فِيهَا {يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ} أَيْ الْخَلْق {وَمَا
خَلْفهمْ} أَيْ مِنْ أَمْر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ
مِنْ عِلْمه[8]} أَيْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنْ مَعْلُومَاته {إلَّا بِمَا
شَاءَ} أَنْ يُعْلِمهُمْ بِهِ مِنْهَا بِأَخْبَارِ الرُّسُل {وَسِعَ كُرْسِيّه
السَّمَاوَات وَالْأَرْض[9]} قِيلَ أَحَاطَ عِلْمه بِهِمَا وَقِيلَ الْكُرْسِيّ نَفْسه
مُشْتَمِل عَلَيْهِمَا لِعَظَمَتِهِ لِحَدِيثِ مَا السَّمَاوَات السَّبْع فِي
الْكُرْسِيّ إلَّا كَدَرَاهِم سَبْعَة أُلْقِيَتْ في ترس {ولا يؤوده} يثقله
{حفظهما[10]} أي السماوات وَالْأَرْض {وَهُوَ الْعَلِيّ} فَوْق خَلْقه بِالْقَهْرِ
{الْعَظِيم[11]} الكبير (الجلالين)
v
فضائل اية الكرسي وما يتعلق بها
ü
ما صح في فضل آية الكرسي وما لم يصح
(islamweb.net)
ü
فضل آية الكرسي - الإسلام سؤال وجواب
(islamqa.info)
ü
ما يصح في فضل آية الكرسي وما لا يصح
(islamweb.net)
ü
https://www.elbalad.news/5357968
ü
آية الكرسي فضلها وتفسيرها وأسرارها
(al3elmwealdeen.com)
ü
فضل آية الكرسي وتفسيرها (alukah.net)
ü
فضائل ومعاني آية الكرسي (alukah.net)
ü
فضل قراءة آية الكرسي - فقه المسلم
(islamonline.net)
ü
فضل قراءة آية الكرسي - موضوع
(mawdoo3.com)
ü
فضل قراءة آية الكرسي بعد الصلاة
(binbaz.org.sa)
ü
فضائل لآية الكرسي (midad.com)
ü
فضائل آية الكرسي
| هدى القرآن (hodaalquran.com)
ü
أحاديث صحيحة في
آية الكرسي وما جاء في فضلها : - تطبيق كنوز إسلامية
(islamic-konoz.com)
ü
ما صحة الحديث الوارد في فضل قراءة آية الكرسي بعد الصلاة ؟ - الإسلام
سؤال وجواب (islamqa.info)
ü
فصل: فصل في فضل آية الكرسي:|نداء الإيمان
(al-eman.com)
ü
ص87 - كتاب فضائل
القرآن الضياء المقدسي - فضل آية الكرسي - المكتبة الشاملة
(shamela.ws)
ü
فضائل ومعاني آية الكرسي - طريق الإسلام
(islamway.net)
v
معنى الإله / الله لغة واصطلاحاً ((Makna “Ilah” , “Allah” secara bahasa & Istilah
( Allah
- Wikipedia bahasa Indonesia, ensiklopedia bebas - Allah (stekom.ac.id) - Allah | Deity,
Meaning, & Facts | Britannica - Siapa itu Allah? Memahami Allah dalam Islam (theconversation.com) - Allah | Origin, Characteristics & Etymology | Study.com - Allah berasal dari bahasa ap - Facebook –
Tanya jawab tentang Allah Asal
Kata ‘Allah’ • KonsultasiSyariah.com - Penjelasan Lafzhul Jalaalah "Allah" (Bag. 1) (muslim.or.id) - 15-1-02.pdf (ptiq.ac.id) Penjelasan Makna Lafadz Allah - Radio Rodja 756 AM - APA MAKNA DARI NAMA ALLAH? | Pertubuhan Kearifan Islam Malaysia ( OMIW
) - و - ص21 - كتاب دروس الشيخ
عمر الأشقر - معنى الإله لغة واصطلاحا - المكتبة الشاملة
(shamela.ws) - معنى
الإله لغة وشرعا (mqqal.blogspot.com)
- معنى الإله (islamweb.net)
- تعريف و شرح و معنى الإله بالعربي في معاجم اللغة العربية معجم المعاني
الجامع، المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصر ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس
المحيط - معجم عربي عربي صفحة 1 (almaany.com) - مصطلح الإله (alrasd.net) - فصل: سؤال ما معنى الإله؟|نداء الإيمان
(al-eman.com) - ص372 - أرشيف
ملتقى أهل الحديث - معنى كلمة إله - المكتبة الشاملة الحديثة
(al-maktaba.org) - تعريف
الإله في الإسلام (mqqal.blogspot.com) - ص4 - كتاب شرح التدمرية ناصر العقل - معنى الإله - المكتبة الشاملة (shamela.ws) - شرح معنى كلمة الله - موضوع (mawdoo3.com) - أصل لفظ الجلالة "الله" عند سيبويه (alukah.net) - معنى لفظ الجلالة ، وهل هو مشتق ؟ ومادة اشتقاقه - على القول به - -
الإسلام سؤال وجواب (islamqa.info) - معنى اسم الجلالة الله والدليل على أنه خالق كل شيء (islamweb.net) - الله - ويكيبيديا (wikipedia.org) - الله معناه واشتقاقه (islamweb.net) - اسم الجلالة الله هو اسم الله الرئيس ويخبر عنه ببقية الأسماء (islamweb.net) - اسم الجلالة الله كان معروفا قبل البعثة النبوية
(islamweb.net) - مواضع اسم الجلالة في القرآن الكريم
(islamweb.net) - شرح : ( لفظ
الجلالة: الله عزّ وجلّ ) - الكلم الطيب
(kalemtayeb.com) - Asal Kata Allah, Sebenarnya Dari Mana? Muslim
Wajib Tahu! (isadanislam.org)
[1] قال القرطبي: قوله: اللَّهُ
هذا الاسم أكبر أسمائه- تعالى- وأجمعها، حتى قال بعضهم إنه اسم الله الأعظم ولم
يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع، فالله اسم الموجود الحق الجامع
لصفات الألوهية، المنعوت
بنعوت الربوبية المنفرد
بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو- سبحانه-» (التفسير الوسيط للقرآن الكريم) {اللَّهِ} عَلَمٌ
عَلَى الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يُقَالُ: إِنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ؛ لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِجَمِيعِ
الصِّفَاتِ، كَمَا قَالَ
تَعَالَى: {هُوَ
اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ
الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ
الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْحَشْرِ: 22 -24] ، فَأَجْرَى
الْأَسْمَاءَ الْبَاقِيَةَ كلها صفات لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وللهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا
الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الْإِسْرَاءِ:
110] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً
وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ
الْجَنَّةَ" (3) ، وجاء تعدادها في رواية الترمذي، [وابن مَاجَهْ (1)
وَبَيْنَ (2) الرِّوَايَتَيْنِ اخْتِلَافُ زِيَادَاتٍ وَنُقْصَانٍ، وَقَدْ ذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ
فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ لِلَّهِ خَمْسَةَ آلَافِ اسْمٍ: أَلْفٌ
فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَأَلْفٌ فِي التَّوْرَاةِ، وَأَلْفٌ
فِي الْإِنْجِيلِ، وَأَلْفٌ فِي الزَّبُورِ، وَأَلْفٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ]
(3) وَهُوَ اسْمٌ لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ وَلِهَذَا لَا
يُعْرَفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَهُ اشْتِقَاقٌ مِنْ فَعَلَ وَيَفْعَلُ، فَذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ النُّحَاةِ
إِلَى أَنَّهُ اسْمٌ
جَامِدٌ لَا
اشْتِقَاقَ لَهُ. وَقَدْ
نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ
الشَّافِعِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ
وَغَيْرُهُمْ، وَرُوِيَ عَنِ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ
فِيهِ لَازِمَةٌ. قَالَ
الْخَطَّابِيُّ: أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: يَا اللَّهُ، وَلَا تَقُولُ:
يَا الرَّحْمَنُ، فَلَوْلَا أَنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْكَلِمَةِ لَمَا جَازَ
إِدْخَالُ حَرْفِ النِّدَاءِ عَلَى الْأَلِفِ وَاللَّامِ (4). وَقِيلَ:
إِنَّهُ مُشْتَقٌّ،
وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ
بِقَوْلِ رؤْبَة بْنِ العَجّاج: لِلَّهِ
دَرُّ الْغَانِيَاتِ المُدّه... سَبَّحْنَ
وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي (5) فَقَدْ صَرَّحَ الشَّاعِرُ بِلَفْظِ
الْمَصْدَرِ، وَهُوَ التَّأَلُّهُ، مِنْ أَلِهَ يَأْلَهُ إِلَاهَةً وَتَأَلُّهًا،
كَمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ
قَرَأَ: "وَيَذَرَكَ وَإلاهَتَك" قَالَ: عِبَادَتَكَ، أَيْ: أَنَّهُ
كَانَ يُعْبَد وَلَا يَعْبُد، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى كَوْنِهِ
مُشْتَقًّا بِقَوْلِهِ: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ}
[الْأَنْعَامِ: 3] أَيْ: الْمَعْبُودُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كَمَا
قَالَ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ}
[الزُّخْرُفِ: 84] ، وَنَقْلَ
سِيبَوَيْهِ عَنِ الْخَلِيلِ: أَنَّ أَصْلَهُ: إِلَاهٌ، مِثْلُ فِعَالٍ،
فَأُدْخِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ بَدَلًا مِنَ الْهَمْزَةِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ:
مِثْلُ النَّاسِ، أَصْلُهُ: أُنَاسٌ، وَقِيلَ: أَصْلُ الْكَلِمَةِ: لَاهَ،
فَدَخَلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلتَّعْظِيمِ وَهَذَا اخْتِيَارُ سِيبَوَيْهِ.
قَالَ الشَّاعِرُ: لَاهِ ابْنِ عَمِّكَ لَا أَفْضَلْتَ فِي حَسَبٍ ... عَنِّي وَلَا أَنْتَ دَيَّانِي فَتَخْزُونِي (6) قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ: فَتَسُوسُنِي، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ:
أَصْلُهُ: الْإِلَهُ حَذَفُوا الْهَمْزَةَ وَأَدْغَمُوا اللَّامَ الْأُولَى فِي
الثَّانِيَةِ، كَمَا قَالَ: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} [الْكَهْفِ: 38] أَيْ:
لَكِنَّ أَنَا، وَقَدْ قَرَأَهَا كَذَلِكَ الْحَسَنُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ثُمَّ قِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ
وَلِهَ: إِذَا تَحَيَّرَ، وَالْوَلَهُ ذَهَابُ الْعَقْلِ؛ يُقَالُ: رَجُلٌ
وَالِهٌ، وَامْرَأَةٌ وَلْهَى، وَمَاءٌ مُولَهٌ: إِذَا أُرْسِلَ فِي الصَّحَارِي،
فَاللَّهُ تَعَالَى تَتَحَيَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ وَالْفِكْرِ فِي حَقَائِقِ
صِفَاتِهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَصْلُهُ: وَلَّاهُ، فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ
هَمْزَةً، كَمَا قَالُوا فِي وِشَاحٍ: أَشَاحُ، وَوِسَادَةٍ: أَسَادَةٌ، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ:
وَقِيلَ: إِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ أَلِهْتُ إِلَى فُلَانٍ، أَيْ: سَكَنْتُ
إِلَيْهِ، فَالْعُقُولُ لَا تَسْكُنُ إِلَّا إِلَى ذِكْرِهِ، وَالْأَرْوَاحُ لَا
تَفْرَحُ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْكَامِلُ عَلَى الإطلاق دون غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلا بِذِكْرِ
اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرَّعْدِ: 28] قَالَ: وَقِيلَ: مِنْ لَاهَ يَلُوهُ: إِذَا احْتَجَبَ. وَقِيلَ: اشْتِقَاقُهُ مِنْ أَلِهَ
الْفَصِيلُ، إِذْ وَلِعَ بِأُمِّهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْعِبَادَ مَأْلُوهُونَ مُولَعُونَ
بِالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، قَالَ: وَقِيلَ: مُشْتَقٌّ مِنْ أَلِهَ الرَّجُلُ يَأْلُهُ: إِذَا
فَزِعَ مِنْ أَمْرٍ نَزَلَ بِهِ فَأَلَّهَهُ، أَيْ: أَجَارَهُ، فَالْمُجِيرُ
لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ مِنْ كُلِّ الْمَضَارِّ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ؛
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ}
[الْمُؤْمِنُونَ: 88] ، وَهُوَ
الْمُنْعِمُ لِقَوْلِهِ: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}
[النَّحْلِ: 53] وَهُوَ الْمُطْعِمُ لِقَوْلِهِ:
{وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ} [الْأَنْعَامِ: 14] وَهُوَ الْمُوجِدُ لِقَوْلِهِ: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ} [النِّسَاءِ: 78] . وَقَدِ
اخْتَارَ فَخْرُ الدِّينِ
أَنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ غَيْرُ مُشْتَقٍّ الْبَتَّةَ، قَالَ:
وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ
وَالْفُقَهَاءِ، ثُمَّ أَخَذَ يَسْتَدِلُّ
عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ: مِنْهَا:
أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُشْتَقًّا لَاشْتَرَكَ فِي مَعْنَاهُ كَثِيرُونَ، وَمِنْهَا: أَنَّ بَقِيَّةَ
الْأَسْمَاءِ تُذْكَرُ صفات لَهُ، فَتَقُولُ: اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ
الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُشْتَقٍّ، قَالَ: فَأَمَّا
قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ} [إِبْرَاهِيمِ: 1، 2] عَلَى
قِرَاءَةِ الْجَرِّ فَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْبَيَانِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ
تَعَالَى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مَرْيَمَ: 65] ، وَفِي
الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ عَلَى كَوْنِ هَذَا الِاسْمَ جَامِدًا غَيْرَ
مُشْتَقٍّ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَكَى
فَخْرُ الدِّينِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اسْمَ اللَّهِ
تَعَالَى عِبْرَانِيٌّ لَا عَرَبِيٌّ، ثُمَّ ضَعَّفَهُ، وَهُوَ حَقِيقٌ
بِالتَّضْعِيفِ كَمَا قَالَ، وَقَدْ حَكَى فَخْرُ الدِّينِ هَذَا الْقَوْلَ ثُمَّ
قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَلْقَ
قِسْمَانِ: وَاصِلُونَ إِلَى
سَاحِلِ بَحْرِ الْمَعْرِفَةِ، وَمَحْرُومُونَ
قَدْ بَقُوا فِي ظُلُمَاتِ الْحَيْرَةِ وَتِيهِ الْجَهَالَةِ؛ فَكَأَنَّهُمْ قَدْ
فَقَدُوا عُقُولَهُمْ وَأَرْوَاحَهُمْ، وَأَمَّا الْوَاجِدُونَ فَقَدْ وَصَلُوا
إِلَى عَرْصَةِ النُّورِ وَفُسْحَةِ الْكِبْرِيَاءِ وَالْجَلَالِ، فَتَاهُوا فِي
مَيَادِينِ الصَّمَدِيَّةِ، وَبَادُوا فِي عَرْصَةِ الْفَرْدَانِيَّةِ، فَثَبَتَ
أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهَمْ وَالِهُونَ فِي مَعْرِفَتِهِ، وَرُوِيَ عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ:
لِأَنَّ الْخَلْقَ يَأْلَهُونَ إِلَيْهِ بِنَصْبِ اللَّامِ وَجَرِّهَا لُغَتَانِ،
وَقِيلَ: إِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الِارْتِفَاعِ، فَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ
شَيْءٍ مُرْتَفِعٍ: لَاهَا، وَكَانُوا يَقُولُونَ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ:
لَاهَتْ. وَأَصْلُ ذَلِكَ الْإِلَهُ، فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ الَّتِي هِيَ فَاءُ
الْكَلِمَةِ، فَالْتَقَتِ اللَّامُ الَّتِي هِيَ عَيْنُهَا مَعَ اللَّامِ
الزَّائِدَةِ فِي أَوَّلِهَا لِلتَّعْرِيفِ فَأُدْغِمَتْ إِحْدَاهُمَا فِي
الْأُخْرَى، فَصَارَتَا فِي اللَّفْظِ لَامًا وَاحِدَةً مُشَدَّدَةً، وَفُخِّمَتْ
تَعْظِيمًا، فَقِيلَ: اللَّهُ ( تفسير القرآن العظيم لابن كثير) والله
علم شخصي على الذات فقظ المعينة بكونها واجبة الوجود المستحقة لجميع المحامد، ففيه
إشارة على عقيدة وجوب الوجود وقولهم في بيان لفظ الجلالة إنه اسم للذات الواجب
الوجود الخ ذِكْرُ واجب الوجود، وما بعده إنما هو لتعيين المسمى لا أنه من جملة
الموضوع له وإلا كان لفظ الجلالة كليا فلا يكون لا إله إلا الله مفيدا للتوحيد،
وقد أجمعوا على افادتها له (حاشية
الدسوقي على أم البراهين) (الله) علم
على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد. وقولنا (الواجب الوجود ... إلخ) تعيين للمسمى، لا أنه من جملة المسمى على ما هو
التحقيق، وإلا لكان كليا، وهو علم شخصي بمعنى أن مدلوله معين في الخارج لا بمعنى
أنه قامت به مشخصات كالبياض والطول وهكذا لاستحالة ذلك، ولا يجوز أن يقال ذلك إلا
في مقام التعليم لما فيه من إيهام ما لا يليق، وبذلك تعلم أنه ليس علما بالغلبة
خلافا لمن زعم ذلك (حاشية
الباجوري المسماة تحفة المريد) (مباحث لفظ الجلالة
"الله" – الاول
– الثاني
– الثالث
– الرابع
– الخامس
- السادس
) (مباحث واجب الوجود – الاول
– الثاني
– الثالث-
الرابع
– الخامس
- السادس
– السابع – الثامن – التاسع – العاشر)
وَجِيءَ بِاسْمِ الذَّاتِ هُنَا لِأَنَّهُ
طَرِيقٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُسَمَّى الْمُنْفَرِدِ بِهَذَا الِاسْمِ،
فَإِنَّ الْعَلَمَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ فِي الدَّلَالَةِ
عَلَى مُسَمَّاهُ إِلَى قَرِينَةٍ أَوْ مَعُونَةٍ لَوْلَا احْتِمَالُ تَعَدُّدِ
التَّسْمِيَةِ، فَلَمَّا انْتَفَى هَذَا الِاحْتِمَالُ فِي اسْمِ الْجَلَالَةِ
كَانَ أَعْرَفَ الْمَعَارِفِ لَا مَحَالَةَ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنِ الْقَرَائِنِ
وَالْمَعُونَاتِ، فَالْقَرَائِنُ كَالتَّكَلُّمِ وَالْخِطَابِ، وَالْمَعُونَاتُ
كَالْمَعَادِ وَالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ وَالصِّلَةِ وَسَبْقِ الْعَهْدِ
وَالْإِضَافَةِ.
(التحرير
والتنوير)
[2] وَجُمْلَةُ «لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» خَبَرٌ أَوَّلُ عَنِ اسْمِ
الْجَلَالَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إِثْبَاتُ
الْوَحْدَانِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى دَلَالَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَنَفْيِ الْآلِهَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ [الْبَقَرَة: 163] (التحرير
والتنوير)
[3] ينظر مادة
"الْحَيُّ" وَقَوْلُهُ: الْحَيُّ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ،
والْقَيُّومُ خَبَرٌ ثَانٍ لِذَلِكَ الْمُبْتَدَأِ الْمَحْذُوفِ، وَالْمَقْصُودُ إِثْبَاتُ الْحَيَاةِ
وَإِبْطَالُ اسْتِحْقَاقِ آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ وَصْفَ الْإِلَهِيَّةِ
لِانْتِفَاءِ الْحَيَاةِ، عَنْهُمْ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ [مَرْيَم: 42]
وَفُصِلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِقْلَالِهَا لِأَنَّهَا لَوْ عُطِفَتْ
لَكَانَتْ كَالتَّبَعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَشَّافِ
أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مُبَيِّنَةٌ
لِمَا تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ مِنْ أَنَّهُ
الْقَائِمُ بِتَدْبِيرِ الْخَلْقِ، أَيْ لِأَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ
يَقْتَضِي أَنْ لَا مُدَبِّرَ غَيْرَهُ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ خِلَافًا لِمَا قَرَّرَ
بِهِ التَّفْتَازَانِيُّ كَلَامَهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِعِبَارَتِهِ. وَالْحَيُّ
فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَنْ قَامَتْ بِهِ الْحَيَاةُ، وَهِيَ صِفَةٌ بِهَا
الْإِدْرَاكُ وَالتَّصَرُّفُ، أَعْنِي كَمَالَ الْوُجُودِ الْمُتَعَارَفِ، فَهِيَ
فِي الْمَخْلُوقَاتِ بِانْبِثَاثِ الرُّوحِ وَاسْتِقَامَةِ جَرَيَانِ الدَّمِ فِي
الشَّرَايِينِ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَالِقِ مَا يُقَارِبُ أَثَرَ صِفَةِ
الْحَيَاةِ فِينَا، أَعْنِي انْتِفَاءَ الْجَمَادِيَّةِ مَعَ التَّنْزِيهِ عَنْ
عَوَارِضِ الْمَخْلُوقَاتِ. وَفَسَرَّهَا
الْمُتَكَلِّمُونَ بِأَنَّهَا «صِفَةٌ تُصَحِّحُ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ الْإِدْرَاكَ
وَالْفِعْلَ» .وَفَسَّرَ
صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» الْحَيَّ بِالْبَاقِي، أَيِ الدَّائِمِ الْحَيَاةِ بِحَيْثُ
لَا يَعْتَرِيهِ الْعَدَمُ، فَيَكُونُ مُسْتَعْمَلًا كِنَايَةً فِي لَازِمِ
مَعْنَاهُ لِأَنَّ إِثْبَاتَ الْحَيَاةِ لِلَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ هَذَا
الْمَعْنَى لَا يَكُونُ إِلَّا مَجَازًا أَوْ كِنَايَةً. وَقَالَ الْفَخْرُ: «الَّذِي
عِنْدِي أَنَّ الْحَيَّ- فِي أَصْلِ اللُّغَةِ- لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ صِحَّةِ
الْعِلْمِ وَالْقُدْرَة. بل عبار عَنْ كَمَالِ الشَّيْءِ فِي جِنْسِهِ، قَالَ
تَعَالَى: فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها [الجاثية: 5] ، وَحَيَاةُ
الْأَشْجَارِ إِيرَاقُهَا. فَالصِّفَةُ الْمُسَمَّاةُ- فِي عُرْفِ
الْمُتَكَلِّمِينَ- بِالْحَيَاةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ كَمَالَ حَالِ
الْجِسْمِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِهَا، فَالْمَفْهُومُ
الْأَصْلِيُّ مِنْ لَفْظِ الْحَيِّ كَوْنُهُ وَاقِعًا عَلَى أَكْمَلِ
أَحْوَالِهِ وَصِفَاتِهِ» .وَالْمَقْصُودُ
بِوَصْفِ اللَّهِ هُنَا بِالْحَيِّ إِبْطَالُ عَقِيدَةِ الْمُشْرِكِينَ
إِلَاهِيَّةَ أَصْنَامِهِمُ الَّتِي هِيَ جَمَادَاتٌ، وَكَيْفَ يَكُونُ مُدَبِّرُ
أُمُورِ الْخَلْقِ جَمَادًا. وَالْحَيُّ
صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ حَيِيَ، أَصْلُهُ حَيِيٌ كَحَذِرٍ أُدْغِمَتِ
الْيَاءَانِ، وَهُوَ يَائِيٌّ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، وَأَمَّا
كِتَابَةُ السَّلَفِ فِي الْمُصْحَفِ كَلِمَةَ حَيَوةٍ بِوَاوٍ بَعْدَ الْيَاءِ
فَمُخَالِفَةٌ لِلْقِيَاسِ، وَقِيلَ كَتَبُوهَا عَلَى لُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ
لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ حَيَوةً أَيْ حَيَاةً، وَقِيلَ كَتَبُوهَا عَلَى لُغَةِ
تَفْخِيمِ الْفَتْحَةِ.
(التحرير والتنوير)
[4] ينظر
مادة
الْقَيُّومُ والقَيِّمُ والقَيَّامُ
والقائِمُ والقيّوم فَيْعُولٌ مِنْ قَامَ يَقُومُ
وَهُوَ وَزْنُ مُبَالغَة، وَأَصله قيووم فَاجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ
وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتَا،
وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي
الْقِيَامِ الْمُسْتَعْمَلِ- مَجَازًا مَشْهُورًا- فِي تَدْبِير شؤون النَّاسِ،
قَالَ تَعَالَى: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ
عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرَّعْد: 33] . وَالْمَقْصُودُ إِثْبَاتُ عُمُومِ الْعِلْمِ لَهُ وَكَمَالُ الْحَيَاة
وَإِبْطَال إلاهية أَصْنَامِ الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا
يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ مُدَبِّرَ الْكَوْنِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا
جَعَلُوا آلِهَتَهُمْ شُفَعَاءَ وَشُرَكَاءَ وَمُقْتَسِمِينَ أُمُورَ
الْقَبَائِلِ. وَالْمُشْرِكُونَ مِنَ الْيُونَانِ كَانُوا قَدْ جَعَلُوا لِكُلِّ
إِلَهٍ مِنْ آلِهَتِهِمْ أَنْوَاعًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا
وَأُمَمًا مِنَ الْبَشَرِ تَنْتَمِي إِلَيْهِ وَيَحْنَأُ عَلَيْهَا. (التحرير
والتنوير) القول
في تفسير اسمه (القيوم) قال
تعالى: «اللَّهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» (2) وقال: «وَعَنَتِ
الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ» (3) قال: وقرأ عمر بن الخطاب القيام، ومن
الألفاظ المناسبة لهذا الاسم لفظان.أحدهما: القائم، قال تعالى، «قائِماً بِالْقِسْطِ» (4).والثاني: القيم: ولم يرد هذا اللفظ في حق
اللَّه تعالى، لكنه ورد في صفة القرآن قال: «وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً
قَيِّماً» (5). واعلم أنه لا شك في وجود الموجودات، فهى إما أن تكون بأسرها واجبة،
أو بعضها ممكن، وبعضها واجب، أما ضد القسم الأول، وهى أن تكون كلها ممكنة فهذا
محال، لأنه إذا كان الكل ممكنا فقد وجد ذلك الكل الممكن لا بسبب؛ هذا خلف. والثاني
أيضا محال، لأنه إذا وجد موجودان واجبان بالذات فقد اشتركا في الوجوب، وتباينا
بالتعين، فيقع التركيب في ذات كل واحد منهما، وكل مركب ممكن؛ فكل واحد منهما ممكن،
هذا خلف. فلم يبق إلا القسم الثالث، وهو أن يكون الواحد واجبا، والباقي ممكنا، فذلك
الواحد لكونه واجبا بذاته يكون قائما بذاته، غنيا عن غيره. ولما كان كل ما سواه
ممكنا، وكل ممكن فهو مستند إلى الواجب، كان كل ما سواه مستندا إليه، وكان هو سببا
لوجود كل ما سواه، فكان هو سببا لتقويم كل ما سواه، فثبت أن ذلك الواحد قائم بذاته
على الإطلاق، وسبب لقوام كل ما سواه على الإطلاق، فوجب أن يكون قيوما، لأنها
مبالغة من القيام، وكمال المبالغة إنما يحصل عند الاستغناء به عن كل ما سواه،
وافتقار كل ما سواه إليه، فثبت بهذا البرهان النير أنه سبحانه هو القيوم الحق
بالنسبة إلى كل الموجودات. إذا عرفت هذا فنقول: تأثيره في غيره إما أن يكون
بالإيجاب أو بالإيجاد فإن كان الأول لزم من قدمه قدم كل ما سواه وهو محال، فثبت أن
تأثيره في غيره هو بالإيجاد، والموجد بالقصد والاختيار لا بدّ وأن يكون متصورا
ماهية ذلك الشيء الّذي يقصد إلى إيجاده، فثبت أن المؤثر في العالم فعّال درّاك،
ولا معنى للحى إلا ذاك؛ فثبت أنه سبحانه حي، فلهذا قال: «الْحَيُّ الْقَيُّومُ» دل
بقوله (الحى) على كونه عالما، قادرا، وبقوله (القيوم) على كونه قائما بذاته،
مقوّما لغيره، ومن هذين الأصلين تتشعب جميع المسائل المعتبرة في علم التوحيد. واعلم
أنه لما ثبت كونه سبحانه قيوما فهذه القيومية لها لوازم. اللازمة الأولى: أن واجب
الوجود واحد، بمعنى أن ماهيته غير مركبة من الأجزاء، إذ لو كان مركبا لكان مفتقرا
إلى كل واحد من تلك الأجزاء، وكل واحد من أجزائه غيره، وكل مركب فهو متقوم بغيره،
والمتقوم بغيره لا يكون متقوما بذاته، ولا هو مقوما لكل ما سواه، فلم يكن قيوما
على الإطلاق؛ فاذا ثبت أنه تعالى فرد في ذاته، فهذه الفردانية لها لازمان. أحدهما:
أنه ليس في الوجود شيئان يصدق على كل واحد منهما أنه واجب لذاته، وإلا لاشتركا في
الوجوب الذاتى، وتباينا بالتعين، فتقع الكثرة في ذات كل واحد منهما. والثاني: أنه
تعالى لما كان فردا امتنع أن يكون متحيزا، لأن كل متحيز فهو منقسم بالقسمة
المقدارية عند قوم، وبالقسمة العقلية عند الكل، لأنه يشارك المتحيزات في كونها
متحيزة، ويمايزها بخصوصية، فيحصل التركيب في الماهية، وإذا لم يكن متحيزا لم يكن
في الجهة البتة. اللازمة الثانية من لوازم القيومية: أن لا يكون في محل، لا عرضا
في موضوع، ولا صورة في مادة، لأن الحال مفتقر إلى المحل، والقيوم غير مفتقر. اللازمة
الثالثة: قال بعض المحققين: لا معنى للعلم إلا حضور حقيقة المعلوم عند العالم،
فإذا كان قيوما كان قائما بنفسه، فكانت حقيقته حاضرة عنده، وكان عالما بذاته،
وذاته مؤثرة في غيره، فيعلم من ذاته كونه مؤثرا في غيره فيعلم غيره، وهكذا يعلم
جميع الموجودات على التركيب النازل من عنده طولا وعرضا. اللازمة الرابعة: لما كان
قيوما بالنسبة إلى كل ما سواه كان كل ما سواه متقوما به، أي موجودا بإيجاده،
فافتقار ما سواه إليه لا يمكن أن يكون حال البقاء، وإلا لزم إيجاد الموجود، فلم
يبق إلا أن يكون إما حال الحدوث، أو حال العدم، وعلى التقديرين فكل ما سواه محدث.
اللازمة الخامسة: لما كان قيوما بالنسبة إلى كل الممكنات استند كل الممكنات إليه إما
بواسطة أو بغير واسطة، وعلى التقديرين فيلزم استناد أفعال العباد إليه، فكان القول
بالقدر لازما، فظهر أن قوله الحى القيوم كالينبوع لجميع مباحث العلم الإلهي، فلا
جرم بلغت الآيات المشتملة على هذين اللفظين في الشرف إلى المقصد الأقصى. وإذا عرفت
هذا: فالقيوم من حيث إنه يدل على تقومه بذاته يدل على وجوده الخاص به، أو على
السلب، وهو استغناؤه عن غيره، ومن حيث كونه مقوما لغيره كان من باب الإضافات. روى
عن ابن عباس أنه كان يقول: أعظم أسماء
اللَّه: الحى القيوم. وقال عليّ عليه
السلام: لما كان يوم بدر، قاتلت شيئا من القتال، ثم جئت إلى رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم أنظر ما ذا يصنع، فإذا هو ساجد يقول: «يا حي يا قيوم» لا يزيد
عليه، ثم رجعت إلى القتال، ثم جئت وهو يقول ذلك، فلا أزال أذهب وأرجع، وأنظره. لا
يزيد على ذلك، إلى أن فتح اللَّه له. واعلم أنه من
عرف أنه سبحانه هو القائم، والقيم، والقيام، والقيوم، انقطع قلبه عن الخلق. قال
أبو يزيد: حسبك من التوكل أن لا ترى لنفسك ناصرا غيره، ولا لرزقك خازنا غيره، ولا
لعلمك شاهدا غيره.(لوامع
البينات شرح أسماء الله تعالى والصفات – فخر الدين الرازي)
[5] وَجُمْلَةُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ «اللَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ»
وَلِرَفْعِ احْتِمَالِ الْمُبَالَغَةِ فِيهَا، فَالْجُمْلَةُ مُنَزَّلَةٌ
مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ لِمَعْنَى الْحَيِّ الْقَيُّومِ وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنِ
الَّتِي قَبْلَهَا. والسّنة فِعْلَةٌ مِنَ الْوَسَنِ، وَهُوَ أَوَّلُ
النَّوْمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلهَا اسْم هيأة كَسَائِرِ مَا جَاءَ عَلَى
وَزْنِ فِعْلَةٍ من الواوي لفاء، وَقَدْ قَالُوا وَسَنَةٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى
صِيغَةِ الْمَرَّةِ. وَالسِّنَةُ أَوَّلُ النَّوْمِ، قَالَ عَدِيُّ بْنُ
الرِّقَاعِ: وَسْنَانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ ... فِي عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيْسَ بِنَائِمِ - وَالنَّوْمُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ فُتُورٌ يَعْتَرِي أَعْصَابَ
الدِّمَاغِ مِنْ تَعَبِ إِعْمَالِ الْأَعْصَابِ من تَصَاعُدِ الْأَبْخِرَةِ
الْبَدَنِيَّةِ النَّاشِئَةِ عَنِ الْهَضْمِ وَالْعَمَلِ الْعَصَبِيِّ،
فَيَشْتَدُّ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ وَمَجِيءِ الظُّلْمَةِ فَيَطْلُبُ
الدِّمَاغُ وَالْجِهَازُ الْعَصَبِيُّ الَّذِي يُدَبِّرُهُ الدِّمَاغُ
اسْتِرَاحَةً طَبِيعِيَّةً فَيَغِيبُ الْحِسُّ شَيْئًا فَشَيْئًا وَتَثْقُلُ
حَرَكَةُ الْأَعْضَاءِ، ثُمَّ يَغِيبُ الْحِسُّ إِلَى أَنْ تَسْتَرْجِعَ
الْأَعْصَابُ نَشَاطَهَا فَتَكُونَ الْيَقَظَةُ. وَنَفْيُ اسْتِيلَاءِ السِّنَةِ
وَالنَّوْمِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى تَحْقِيقٌ لِكَمَالِ الْحَيَاةِ وَدَوَامِ
التَّدْبِيرِ، وَإِثْبَاتٌ لِكَمَالِ الْعِلْمِ فَإِنَّ السِّنَةَ وَالنَّوْمَ
يُشْبِهَانِ الْمَوْتَ، فَحَيَاةُ النَّائِمِ فِي حَالِهِمَا حَيَاةٌ ضَعِيفَةٌ،
وَهُمَا يَعُوقَانِ عَنِ التَّدْبِيرِ وَعَنِ الْعِلْمِ بِمَا يَحْصُلُ فِي وَقْتِ
اسْتِيلَائِهِمَا عَلَى الْإِحْسَاسِ. وَنَفْيُ
السِّنَةِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُغْنِي عَنْ نَفْيِ النَّوْمِ عَنْهُ
لِأَنَّ مِنَ الْأَحْيَاءِ مَنْ لَا تَعْتَرِيهِ السِّنَةُ فَإِذَا نَامَ نَامَ
عَمِيقًا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَأْخُذُهُ السِّنَةُ فِي غَيْرِ وَقْتِ النَّوْمِ
غَلَبَةً، وَقَدْ تَمَادَحَتِ الْعَرَبُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى السَهَرِ، قَالَ
أَبُو كَبِيرٍ:
فَأَتَتْ بِهِ حُوشَ الْفُؤَادِ مُبَطَّنًا ... سُهُدًا إِذَا مَا نَامَ لَيْلُ الْهَوْجَلِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ لَا يَحْجُبُ
عِلْمَهُ شَيْءٌ حَجْبًا ضَعِيفًا وَلَا طَوِيلًا وَلَا غَلَبَةً وَلَا
اكْتِسَابًا، فَلَا حَاجَةَ إِلَى مَا تَطَلَّبَهُ الْفَخْرُ وَالْبَيْضَاوِيُّ
مِنْ أَنَّ تَقْدِيمَ السِّنَةِ عَلَى النَّوْمِ مُرَاعًى فِيهِ تَرْتِيبُ
الْوُجُودِ، وَأَنَّ ذِكْرَ النَّوْمِ مِنْ قَبِيلِ الِاحْتِرَاسِ. وَقَدْ أَخَذَ
هَذَا الْمَعْنَى بَشَّارٌ وَصَاغَهُ بِمَا يُنَاسِبُ صِنَاعَةَ الشِّعْرِ
فَقَالَ: وَلَيْلٍ دَجُوجِيٍّ تَنَامُ بَنَاتُهُ ... وَأَبْنَاؤُهُ مِنْ طُولِهِ (1) وَرَبَائِبُهْ - فَإِنَّهُ أَرَادَ مِنْ
بَنَاتِ اللَّيْلِ وَأَبْنَائِهِ السَّاهِرَاتِ وَالسَّاهِرِينَ بِمُوَاظَبَةٍ،
وَأَرَادَ بِرَبَائِبِ اللَّيْلِ مَنْ هُمْ أَضْعَفُ مِنْهُمْ سَهَرًا لِلَيْلٍ
لِأَنَّ الرَّبِيبَ أَضْعَفُ نِسْبَةً مِنَ الْوَلَدِ وَالْبِنْتِ. (التحرير
والتنوير)
[6] وَجُمْلَةُ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تَقْرِيرٌ لِانْفِرَادِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ إِذْ جَمِيعُ
الْمَوْجُودَاتِ مَخْلُوقَاتُهُ، وَتَعْلِيلٌ لِاتِّصَافِهِ بِالْقَيُّومِيَّةِ لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ
جَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ مِلْكًا لَهُ فَهُوَ حَقِيقٌ بِأَنْ يَكُونَ قَيُّومَهَا
وَأَلَّا يُهْمِلَهَا وَلِذَلِكَ فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَاللَّامُ
لِلْمِلْكِ. وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ اسْتِغْرَاقُ أَمْكِنَةِ
الْمَوْجُودَاتِ، فَقَدْ دَلَّتِ الْجُمْلَةُ عَلَى عُمُومِ الْمَوْجُودَاتِ
بِالْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ مِلْكُهُ لِلْعُمُومِ ثَبَتَ أَنَّهُ
لَا يَشِذُّ عَنْ مِلْكِهِ مَوْجُودٌ فَحَصَلَ مَعْنَى الْحَصْرِ، وَلَكِنَّهُ
زَادَهُ تَأْكِيدًا بِتَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ- أَيْ لَا لِغَيْرِهِ- لِإِفَادَةِ
الرَّدِّ عَلَى أَصْنَافِ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الصَّابِئَةِ عَبْدَةِ
الْكَوَاكِبِ كَالسُّرْيَانِ وَالْيُونَانِ وَمِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لِأَنَّ
مُجَرَّدَ حُصُولِ مَعْنَى الْحَصْرِ بِالْعُمُومِ لَا يَكْفِي فِي الدَّلَالَةِ
عَلَى إِبْطَالِ الْعَقَائِدِ الضَّالَّةِ. فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ أَفَادَتْ
تَعْلِيمَ التَّوْحِيدِ بِعُمُومِهَا، وَأَفَادَتْ إِبْطَالَ عَقَائِدِ أَهْلِ
الشِّرْكِ بخصوصية الْقصر، وَهَذَا بلاغة معْجزَة. (التحرير
والتنوير)
[7] وَجُمْلَةُ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ
إِلَّا بِإِذْنِهِ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ لَهُ مَا فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِمَا أَفَادَهُ لَامُ الْمِلْكِ مِنْ شُمُولِ
مِلْكِهِ تَعَالَى لِجَمِيعِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَمَا
تَضَمَّنَهُ تَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ مِنْ قَصْرِ ذَلِكَ الْمِلْكِ عَلَيْهِ
تَعَالَى قَصْرَ قَلْبٍ، فَبَطَلَ وَصْفُ الْإِلَهِيَّةِ عَن غَيره تَعَالَى،
بِالْمُطَابَقَةِ. وَبَطَلَ حَقُّ الْإِدْلَالِ عَلَيْهِ وَالشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ-
الَّتِي لَا تُرَدُّ- بِالِالْتِزَامِ، لِأَنَّ الْإِدْلَالَ مِنْ شَأْنِ
الْمُسَاوِي وَالْمُقَارِبِ، وَالشَّفَاعَةُ إِدْلَالٌ. وَهَذَا إِبْطَالٌ
لِمُعْتَقَدِ مُعْظَمِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ
لَمْ يُثْبِتُوا لِآلِهَتِهِمْ وَطَوَاغِيتِهِمْ أُلُوهِيَّةً تَامَّةً، بَلْ
قَالُوا: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يُونُس: 18] وَقَالُوا: مَا
نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: 3] ، فَأَكَّدَ
هَذَا الْمَدْلُولَ بِالصَّرِيحِ، وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَمَّا
قَبْلَهَا. وذَا مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ إِذْ لَيْسَ ثَمَّ مُشَارٌ إِلَيْهِ
مُعَيَّنٌ، وَالْعَرَبُ تَزِيدُ (ذَا) لِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِشَارَةُ مِنْ
وُجُودِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الِاسْتِفْهَامِ، حَتَّى إِذا
أظهر عَدَمُ وُجُودِهِ كَانَ ذَلِكَ أَدَلَّ عَلَى أَنْ لَيْسَ ثَمَّةَ
مُتَطَلِّعٍ يُنَصِّبُ نَفْسَهُ لِادِّعَاءِ هَذَا الْحُكْمِ، وَتَقَدَّمَ
الْقَوْلُ فِي (مَنْ ذَا) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ
اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [الْبَقَرَة: 245] . وَالِاسْتِفْهَامُ
فِي قَوْلِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي
الْإِنْكَارِ وَالنَّفْيِ بِقَرِينَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ إِلَّا
بِإِذْنِهِ. وَالشَّفَاعَةُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ
تَعَالَى: لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ [الْبَقَرَة: 54]
.وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ بِحَقٍّ وَإِدْلَالٍ لِأَنَّ
الْمَخْلُوقَاتِ كُلَّهَا مِلْكُهُ، وَلَكِنْ يَشْفَعُ عِنْدَهُ مَنْ أَرَادَ هُوَ
أَنْ يُظْهِرَ كَرَامَتَهُ عِنْدَهُ فَيَأْذَنَهُ بِأَنْ يَشْفَعَ فِيمَنْ أَرَادَ
هُوَ الْعَفْوَ عَنْهُ، كَمَا يُسْنَدُ إِلَى الْكُبَرَاءِ مُنَاوَلَةُ
الْمَكْرُمَاتِ إِلَى نُبَغَاءِ التَّلَامِذَةِ فِي مَوَاكِبِ الِامْتِحَانِ،
وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيهِ النَّاسُ لِيُكَلِّمَ رَبَّهُ فَيُخَفِّفَ عَنْهُمْ
هَوْلَ مَوْقِفِ الْحِسَابِ، فَيَأْتِي حَتَّى يَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ
وَيَتَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ يُعَلِّمُهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهَا، فَيُقَالُ يَا
مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَسُجُودُهُ
اسْتِيذَانٌ فِي الْكَلَامِ، وَلَا يَشْفَعُ حَتَّى يُقَالَ اشْفَعْ،
وَتَعْلِيمُهُ الْكَلِمَاتِ مُقَدَّمَةٌ لِلْإِذْنِ. (التحرير
والتنوير)
[8] وَجُمْلَةُ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما
خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ تَقْرِيرٌ وَتَكْمِيلٌ
لِمَا تَضَمَّنَهُ مَجْمُوعُ جُمْلَتَيْ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ
سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ وَلِمَا تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ
عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ جُمْلَتَيْ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا
تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ دَلَّتَا
عَلَى عُمُومِ عِلْمِهِ بِمَا حَدَثَ وَوُجِدَ مِنَ الْأَكْوَانِ وَلَمْ تَدُلَّا عَلَى عِلْمِهِ
بِمَا سَيَكُونُ فَأَكَّدَ وَكَمَّلَ بِقَوْلِهِ يَعْلَمُ الْآيَةَ، وَهِيَ
أَيْضًا تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ
عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِذْ قَدْ يتّجه سُؤال لماذَا حُرِمُوا الشَّفَاعَةَ
إِلَّا بَعْدَ الْإِذْنِ فَقِيلَ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الشَّفَاعَةَ
وَرُبَّمَا غَرَّتْهُمُ الظَّوَاهِر، وَالله يعْلم مَنْ يَسْتَحِقُّهَا فَهُوَ
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلِأَجْلِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ
عَمَّا قَبْلَهَا. وَالْمُرَادُ بِمَا
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مَا هُوَ مُلَاحَظٌ لَهُمْ مِنَ
الْمَعْلُومَاتِ وَمَا خَفِيَ عَنْهُمْ أَوْ ذُهِلُوا عَنْهُ مِنْهَا، أَوْ مَا
هُوَ وَاقِعٌ بَعْدَهُمْ وَمَا وَقَعَ قَبْلَهُمْ. وَأَمَّا عِلْمُهُ بِمَا فِي
زَمَانِهِمْ فَأَحْرَى. وَقِيلَ الْمُسْتَقْبَلُ هُوَ مَا بَيْنَ الْأَيْدِي
وَالْمَاضِي هُوَ الْخَلْفُ، وَقِيلَ عَكْسُ ذَلِكَ، وَهُمَا اسْتِعْمَالَانِ
مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ الِاعْتِبَارِ فِي تَمْثِيلِ مَا بَيْنَ الْأَيْدِي
وَالْخَلْفِ، لِأَنَّ مَا بَيْنَ أَيْدِي الْمَرْءِ هُوَ أَمَامُهُ، فَهُوَ
يَسْتَقْبِلُهُ وَيُشَاهِدُهُ وَيَسْعَى لِلْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَمَا خَلْفَهُ
هُوَ مَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَهُوَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْهُ وَانْقَطَعَ وَلَا
يُشَاهِدُهُ، وَقَدْ تَجَاوَزَهُ وَلَا يَتَّصِلُ بِهِ بَعْدُ وَقِيلَ أُمُورُ
الدُّنْيَا وَأُمُورُ الْآخِرَةِ، وَهُوَ فَرْعٌ مِنَ الْمَاضِي
وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَقِيلَ المحسوسات والمعقولات. وأياما كَانَ فَاللَّفْظُ
مَجَازٌ، وَالْمَقْصُودُ عُمُومُ الْعِلْمِ بِسَائِرِ الْكَائِنَاتِ. وَضَمِيرُ أَيْدِيهِمْ وخَلْفَهُمْ
عَائِدٌ إِلَى مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ بِتَغْلِيبِ الْعُقَلَاءِ
مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا
خَلْفَهُمْ مَا يَشْمَلُ أَحْوَالَ غَيْرِ الْعُقَلَاءِ، أَوْ هُوَ عَائِدٌ عَلَى
خُصُوصِ الْعُقَلَاءِ مِنْ عُمُومِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْضِ
فَيَكُونُ الْمُرَادُ مَا يَخْتَصُّ بِأَحْوَالِ الْبَشَرِ- وَهُوَ الْبَعْضُ،
لِضَمِيرِ وَلَا يُحِيطُونَ- لِأَنَّ الْعِلْمَ مِنْ أَحْوَالِ
الْعُقَلَاءِ.وَعُطِفَتْ جُمْلَةُ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ عَلَى
جُمْلَةِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لِأَنَّهَا تَكْمِلَةٌ لِمَعْنَاهَا
كَقَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [الْبَقَرَة: 216]
.وَمَعْنَى يُحِيطُونَ يَعْلَمُونَ عِلْمًا تَامًّا، وَهُوَ مُجَازٌ حَقِيقَتُهُ
أَنَّ الْإِحَاطَةَ بِالشَّيْءِ تَقْتَضِي الِاحْتِوَاءَ عَلَى جَمِيعِ
أَطْرَافِهِ بِحَيْثُ لَا يَشِذُّ مِنْهُ شَيْء من أَوَّلِهِ وَلَا آخِرِهِ،
فَالْمَعْنَى لَا يَعْلَمُونَ- عِلْمَ الْيَقِينِ- شَيْئًا مِنْ مَعْلُومَاتِهِ،
وَأَمَّا مَا يَدَّعُونَهُ فَهُوَ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ. فَالْعِلْمُ فِي قَوْلِهِ:مِنْ عِلْمِهِ بِمَعْنى
الْمَعْلُوم، كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى ضَمِيرِ
اسْمِ الْجَلَالَةِ تَخْصِيصٌ لَهُ بِالْعُلُومِ اللَّدُنِّيَّةِ الَّتِي
اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهَا وَلَمْ يُنَصِّبِ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا دَلَائِلَ
عَقْلِيَّةً أَوْ عَادِيَّةً. وَلِذَلِكَ فَقَوْلُهُ:
إِلَّا بِما شاءَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ يُطْلِعُ
بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ عَلَى مَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ عِلْمِهِ كَقَوْلِهِ: عالِمُ
الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ
[الْجِنّ: 26، 27]
(التحرير
والتنوير)
[9] وَقَوْلُهُ: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ
تَقْرِيرٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْجُمَلُ كُلُّهَا مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى
وَكِبْرِيَائِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَبَيَانِ عَظَمَةِ مَخْلُوقَاتِهِ
الْمُسْتَلْزِمَةِ عَظَمَةَ شَأْنِهِ، أَوْ لِبَيَانِ سِعَةِ مُلْكِهِ- كَذَلِكَ-
كَمَا سَنُبَيِّنُهُ، وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْجُمَلُ مُتَرَتِّبَةً
مُتَفَرِّعَةً. وَالْكُرْسِيُّ شَيْءٌ يُجْلَسُ عَلَيْهِ مُتَرَكِّبٌ مِنْ
أَعْوَادٍ أَوْ غَيْرِهَا مَوْضُوعَةٍ كَالْأَعْمِدَةِ مُتَسَاوِيَةٍ، عَلَيْهَا
سَطْحٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ بِمِقْدَارِ مَا يَسَعُ شَخْصًا وَاحِدًا فِي
جُلُوسِهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَكَانَ مُرْتَفِعًا فَهُوَ الْعَرْشُ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ حَقِيقَةَ
الْكُرْسِيِّ إِذْ لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى لِاقْتِضَائِهِ التَّحَيُّزَ،
فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ غَيْرُ حَقِيقَتِهِ. وَالْجُمْهُورُ قَالُوا: إِنَّ الْكُرْسِيَّ
مَخْلُوقٌ عَظِيمٌ، وَيُضَافُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِعَظَمَتِهِ، فَقِيلَ هُوَ
الْعَرْشُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ
الْكُرْسِيَّ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ
وَتَكَرَّرَ ذِكْرُ الْعَرْشِ، وَلَمْ يَرِدْ ذِكْرُهُمَا مُقْتَرِنَيْنِ، فَلَوْ
كَانَ الْكُرْسِيُّ غَيْرَ الْعَرْشِ لَذُكِرَ مَعَهُ كَمَا ذُكِرَتِ
السَّمَاوَاتُ مَعَ الْعَرْشِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ
السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [الْمُؤْمِنُونَ: 86] ، وَقِيلَ
الْكُرْسِيُّ غَيْرُ الْعَرْشِ، فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ هُوَ دُونَ الْعَرْشِ وَرُوِيَ
فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «مَا الْكُرْسِيُّ فِي الْعَرْشِ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ
أُلْقِيَتْ بَيْنَ ظَهْرَيْ فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ» وَهُوَ حَدِيثٌ لَمْ يَصِحَّ.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ: الْكُرْسِيُّ
مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ مِنَ الْعَرْشِ، أَيْ لِأَنَّ الْجَالِسَ عَلَى عَرْشٍ
يَكُونُ مُرْتَفِعًا عَنِ الْأَرْضِ فَيُوضَعُ لَهُ كُرْسِيٌّ لِئَلَّا تَكُونَ
رِجْلَاهُ فِي الْفَضَاءِ إِذَا لَمْ يَتَرَبَّعْ، وَرُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ. وَقِيلَ الْكُرْسِيُّ مَثَلٌ لِعِلْمِ اللَّهِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ لِأَنَّ الْعَالِمَ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيٍّ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ.
وَقِيلَ مَثَلٌ لِمُلْكِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَقُولُونَ فُلَانٌ صَاحِبُ
كُرْسِيِّ الْعِرَاقِ أَيْ مُلْكِ الْعِرَاقِ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ:
«وَلَعَلَّهُ الْفَلَكُ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِفَلَكِ الْبُرُوجِ» . قُلْتُ
أَثْبَتَ الْقُرْآنُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ مُسَمَّاهَا فِي قَوْلِهِ
(سُورَةِ نُوحٍ) : أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً [نوح: 15، 16] ،
فَيَجُوزُ أَن تكون السَّمَوَات طَبَقَاتٍ مِنَ الْأَجْوَاءِ مُخْتَلِفَةَ
الْخَصَائِصِ مُتَمَايِزَةً بِمَا يَمْلَأُهَا مِنَ العناصر، وَهِي مسبح
الْكَوَاكِبِ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى (سُورَةُ الْمُلْكِ) : وَلَقَدْ زَيَّنَّا
السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ [الْملك: 5] ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ
السَّمَاوَاتُ هِيَ الْكَوَاكِبَ الْعَظِيمَةَ الْمُرْتَبِطَةَ بِالنِّظَامِ الشَّمْسِيِّ
وَهِيَ: فُلْكَانَ، وَعُطَارِدُ، وَالزُّهْرَةُ، وَهَذِهِ تَحْتَ الشَّمْسِ إِلَى
الْأَرْضِ، وَالْمِرِّيخُ، وَالْمُشْتَرِي، وَزُحَلُ، وَأُورَانُوسُ، وَنِبْتُونُ،
وَهَذِهِ فَوْقَ الشَّمْسِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي الْبُعْدِ، إِلَّا
أَنَّهَا فِي عِظَمِ الْحَجْمِ يَكُونُ أَعْظَمَهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ زُحَلُ،
ثُمَّ نِبْتُونُ، ثُمَّ أُورَانُوسُ، ثُمَّ الْمِرِّيخُ، فَإِذَا كَانَ الْعَرْشُ
أَكْبَرَهَا فَهُوَ الْمُشْتَرِي، وَالْكُرْسِيُّ دُونَهُ فَهُوَ زُحَلُ،
وَالسَّبْعُ الْبَاقِيَةُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ، وَيُضَمُّ إِلَيْهَا الْقَمَرُ،
وَإِنْ كَانَ الْكُرْسِيُّ هُوَ الْعَرْشَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى عَدِّ الْقَمَرِ،
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالشَّمْسُ مِنْ جُمْلَةِ الْكَوَاكِبِ، وَقَوْلُهُ
تَعَالَى: وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً [نوح: 16] تَخْصِيصٌ لَهَا بِالذِّكْرِ
لِلِامْتِنَانِ عَلَى النَّاسِ بِأَنَّهَا نُورٌ لِلْأَرْضِ، إِلَّا أَنَّ
الشَّمْسَ أَكْبَرُ مِنْ جَمِيعِهَا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. وَإِذَا كَانَتِ
السَّمَاوَاتُ أَفْلَاكًا سَبْعَةً لِشُمُوسٍ غَيْرِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَلِكُلِّ
فَلَكٍ نِظَامُهُ كَمَا لِهَذِهِ الشَّمْسِ نِظَامُهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ-
وَسُبْحَانَ مَنْ لَا تُحِيطُ بِعَظَمَةِ قُدْرَتِهِ الْأَفْهَامُ- فَيَكُونُ
الْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَبَّهَنَا إِلَى عَظِيمِ
قُدْرَتِهِ وَسِعَةِ مَلَكُوتِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ مُوَافَقَتِهِ
لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا ذَلِكَ لِأَنَّ
تَفْصِيلَهُ لَيْسَ من غَرَض لاستدلال عَلَى عَظَمَتِهِ، وَلِأَنَّ الْعُقُولَ لَا
تَصِلُ إِلَى فَهْمِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى عُلُومٍ وَاسْتِكْمَالَاتٍ فِيهَا لَمْ
تَتِمَّ إِلَى الْآنَ، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ. (التحرير
والتنوير)
[10] وَجُمْلَة وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما عُطِفَتْ عَلَى جُمْلَةِ وَسِعَ
كُرْسِيُّهُ لِأَنَّهَا مِنْ تَكْمِلَتِهَا وَفِيهَا ضَمِيرٌ مَعَادُهُ فِي
الَّتِي قَبْلَهَا، أَيْ أَنَّ الَّذِي أَوْجَدَ هَاتِهِ الْعَوَالِمَ لَا
يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِهَا. وآده جَعَلَهُ ذَا أَوَدٍ. وَالْأَوَدُ- بِالتَّحْرِيكِ-
الْعِوَجُ، وَمَعْنَى آدَهُ أَثْقَلَهُ لِأَنَّ الْمُثْقَلَ يَنْحَنِي فَيَصِيرُ
ذَا أَوَدٍ. (التحرير
والتنوير)
[11] فَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} كَقَوْلِهِ: {وَهُو
[الْعَلِيُّ الْكَبِير} وَكَقَوْلِهِ] (1) : {الْكَبِيرُ الْمُتَعَال}
[الرَّعْدِ:9] .وَهَذِهِ الْآيَاتُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ
الصِّحَاحِ الْأَجْوَدُ
فِيهَا طَرِيقَةُ السَّلَفِ الصَالِحٍ إِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ
تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ (تفسير
القرآن العظيم لابن كثير) وَعُطِفَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِهِ، وَالْعُلُوُّ
وَالْعَظَمَةُ مُسْتَعَارَانِ لِشَرَفِ الْقَدْرِ وَجَلَالِ الْقُدْرَةِ. وَلِهَذِهِ
الْآيَةِ فَضْلٌ كَبِيرٌ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ أُصُولِ مَعْرِفَةِ
صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا اشْتَمَلَتْ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ عَلَى ذَلِكَ
وَكَمَا اشْتَمَلَتْ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ. فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ «أَنَّ
آتِيًا أَتَاهُ فِي اللَّيْلِ فَأَخَذَ مِنْ طَعَامِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَلَمَّا
أَمْسَكَهُ قَالَ لَهُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ
الْكُرْسِيِّ لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُكَ
شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ»
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَدَقَكَ وَذَلِكَ شَيْطَانٌ» وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أُبَيِّ ابْن
كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيَّ
آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ- قُلْتُ- اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ
الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ» وَرَوَى النَّسَائِيُّ: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ
صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا الْمَوْتُ» ، وَفِيهَا فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ
مُجَرَّبَةٌ لِلتَّأْمِينِ عَلَى النَّفس وَالْبَيْت (التحرير
والتنوير)
ü LIHAT TAFSIR NU QS.AL-BAQOROH
AYAT 255
ü LIHAT TAFSIR WEB
QS.AL-BAQOROH AYAT 255
v فضائل
اية الكرسي وما يتعلق بها
ü
ما صح في فضل آية
الكرسي وما لم يصح (islamweb.net)
ü
فضل آية الكرسي -
الإسلام سؤال وجواب (islamqa.info)
ü
ما يصح في فضل آية
الكرسي وما لا يصح (islamweb.net)
ü
https://www.elbalad.news/5357968
ü
آية الكرسي فضلها
وتفسيرها وأسرارها (al3elmwealdeen.com)
ü
فضل آية الكرسي
وتفسيرها (alukah.net)
ü
فضائل ومعاني آية
الكرسي (alukah.net)
ü
فضل قراءة آية
الكرسي - فقه المسلم (islamonline.net)
ü
فضل قراءة آية
الكرسي - موضوع (mawdoo3.com)
ü
فضل قراءة آية
الكرسي بعد الصلاة (binbaz.org.sa)
ü
فضائل لآية الكرسي (midad.com)
ü
فضائل آية الكرسي | هدى القرآن (hodaalquran.com)
ü
أحاديث صحيحة في آية الكرسي وما
جاء في فضلها : - تطبيق كنوز إسلامية (islamic-konoz.com)
ü
ما صحة الحديث
الوارد في فضل قراءة آية الكرسي بعد الصلاة ؟ - الإسلام سؤال وجواب (islamqa.info)
ü
فصل: فصل في فضل آية
الكرسي:|نداء الإيمان (al-eman.com)
ü
ص87 - كتاب فضائل القرآن الضياء المقدسي - فضل آية
الكرسي - المكتبة الشاملة (shamela.ws)
ü
فضائل ومعاني آية
الكرسي - طريق الإسلام (islamway.net)
v
معنى الإله / الله لغة واصطلاحاً ((Makna “Ilah” , “Allah” secara bahasa & Istilah
( Allah
- Wikipedia bahasa Indonesia, ensiklopedia bebas - Allah (stekom.ac.id) - Allah | Deity,
Meaning, & Facts | Britannica - Siapa itu Allah? Memahami Allah dalam Islam (theconversation.com) - Allah | Origin, Characteristics & Etymology | Study.com - Allah berasal dari bahasa ap - Facebook –
Tanya jawab tentang Allah Asal
Kata ‘Allah’ • KonsultasiSyariah.com - Penjelasan Lafzhul Jalaalah "Allah" (Bag. 1) (muslim.or.id) - 15-1-02.pdf (ptiq.ac.id) Penjelasan Makna Lafadz Allah - Radio Rodja 756 AM - APA MAKNA DARI NAMA ALLAH? | Pertubuhan Kearifan Islam Malaysia ( OMIW
) - و - ص21 - كتاب دروس الشيخ
عمر الأشقر - معنى الإله لغة واصطلاحا - المكتبة الشاملة
(shamela.ws) - معنى
الإله لغة وشرعا (mqqal.blogspot.com)
- معنى الإله (islamweb.net)
- تعريف و شرح و معنى الإله بالعربي في معاجم اللغة العربية معجم المعاني
الجامع، المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصر ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس
المحيط - معجم عربي عربي صفحة 1 (almaany.com) - مصطلح الإله (alrasd.net) - فصل: سؤال ما معنى الإله؟|نداء الإيمان
(al-eman.com) - ص372 - أرشيف
ملتقى أهل الحديث - معنى كلمة إله - المكتبة الشاملة الحديثة
(al-maktaba.org) - تعريف
الإله في الإسلام (mqqal.blogspot.com) - ص4 - كتاب شرح التدمرية ناصر العقل - معنى الإله - المكتبة الشاملة (shamela.ws) - شرح معنى كلمة الله - موضوع (mawdoo3.com) - أصل لفظ الجلالة "الله" عند سيبويه (alukah.net) - معنى لفظ الجلالة ، وهل هو مشتق ؟ ومادة اشتقاقه - على القول به - -
الإسلام سؤال وجواب (islamqa.info) - معنى اسم الجلالة الله والدليل على أنه خالق كل شيء (islamweb.net) - الله - ويكيبيديا (wikipedia.org) - الله معناه واشتقاقه (islamweb.net) - اسم الجلالة الله هو اسم الله الرئيس ويخبر عنه ببقية الأسماء (islamweb.net) - اسم الجلالة الله كان معروفا قبل البعثة النبوية
(islamweb.net) - مواضع اسم الجلالة في القرآن الكريم
(islamweb.net) - شرح : ( لفظ
الجلالة: الله عزّ وجلّ ) - الكلم الطيب
(kalemtayeb.com) - Asal Kata Allah, Sebenarnya Dari Mana? Muslim
Wajib Tahu! (isadanislam.org)
[1] قال القرطبي: قوله: اللَّهُ
هذا الاسم أكبر أسمائه- تعالى- وأجمعها، حتى قال بعضهم إنه اسم الله الأعظم ولم
يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع، فالله اسم الموجود الحق الجامع
لصفات الألوهية، المنعوت
بنعوت الربوبية المنفرد
بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو- سبحانه-» (التفسير الوسيط للقرآن الكريم) والله علم شخصي على الذات فقظ المعينة بكونها واجبة
الوجود المستحقة لجميع المحامد، ففيه إشارة على عقيدة وجوب الوجود وقولهم في بيان
لفظ الجلالة إنه اسم للذات الواجب الوجود الخ ذِكْرُ واجب الوجود، وما بعده إنما
هو لتعيين المسمى لا أنه من جملة الموضوع له وإلا كان لفظ الجلالة كليا فلا يكون
لا إله إلا الله مفيدا للتوحيد، وقد أجمعوا على افادتها له (حاشية الدسوقي على أم البراهين) (الله) علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع
المحامد. وقولنا (الواجب الوجود ... إلخ) تعيين
للمسمى، لا أنه من جملة المسمى على ما هو التحقيق، وإلا لكان كليا، وهو علم شخصي
بمعنى أن مدلوله معين في الخارج لا بمعنى أنه قامت به مشخصات كالبياض والطول وهكذا
لاستحالة ذلك، ولا يجوز أن يقال ذلك إلا في مقام التعليم لما فيه من إيهام ما لا
يليق، وبذلك تعلم أنه ليس علما بالغلبة خلافا لمن زعم ذلك (حاشية الباجوري المسماة تحفة المريد) (مباحث
لفظ الجلالة "الله" – الاول
– الثاني
– الثالث
– الرابع
– الخامس
- السادس
) (مباحث واجب الوجود – الاول
– الثاني
– الثالث-
الرابع
– الخامس
- السادس
– السابع – الثامن – التاسع – العاشر)
وَجِيءَ بِاسْمِ الذَّاتِ هُنَا لِأَنَّهُ
طَرِيقٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُسَمَّى الْمُنْفَرِدِ بِهَذَا الِاسْمِ،
فَإِنَّ الْعَلَمَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ فِي الدَّلَالَةِ
عَلَى مُسَمَّاهُ إِلَى قَرِينَةٍ أَوْ مَعُونَةٍ لَوْلَا احْتِمَالُ تَعَدُّدِ
التَّسْمِيَةِ، فَلَمَّا انْتَفَى هَذَا الِاحْتِمَالُ فِي اسْمِ الْجَلَالَةِ
كَانَ أَعْرَفَ الْمَعَارِفِ لَا مَحَالَةَ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنِ الْقَرَائِنِ
وَالْمَعُونَاتِ، فَالْقَرَائِنُ كَالتَّكَلُّمِ وَالْخِطَابِ، وَالْمَعُونَاتُ
كَالْمَعَادِ وَالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ وَالصِّلَةِ وَسَبْقِ الْعَهْدِ
وَالْإِضَافَةِ.
(التحرير والتنوير)
[2] وَجُمْلَةُ «لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» خَبَرٌ أَوَّلُ عَنِ اسْمِ
الْجَلَالَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إِثْبَاتُ
الْوَحْدَانِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى دَلَالَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَنَفْيِ الْآلِهَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ [الْبَقَرَة: 163] (التحرير والتنوير)
[3] ينظر مادة
"الْحَيُّ" وَقَوْلُهُ: الْحَيُّ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ،
والْقَيُّومُ خَبَرٌ ثَانٍ لِذَلِكَ الْمُبْتَدَأِ الْمَحْذُوفِ، وَالْمَقْصُودُ إِثْبَاتُ الْحَيَاةِ
وَإِبْطَالُ اسْتِحْقَاقِ آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ وَصْفَ الْإِلَهِيَّةِ
لِانْتِفَاءِ الْحَيَاةِ، عَنْهُمْ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ [مَرْيَم: 42] وَفُصِلَتْ
هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا لِلدَّلَالَةِ
عَلَى اسْتِقْلَالِهَا لِأَنَّهَا لَوْ عُطِفَتْ لَكَانَتْ كَالتَّبَعِ،
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَشَّافِ أَنَّ
هَذِهِ الْجُمْلَةَ مُبَيِّنَةٌ لِمَا
تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ مِنْ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِتَدْبِيرِ
الْخَلْقِ، أَيْ لِأَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ يَقْتَضِي أَنْ لَا
مُدَبِّرَ غَيْرَهُ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ خِلَافًا لِمَا قَرَّرَ بِهِ
التَّفْتَازَانِيُّ كَلَامَهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِعِبَارَتِهِ. وَالْحَيُّ
فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَنْ قَامَتْ بِهِ الْحَيَاةُ، وَهِيَ صِفَةٌ بِهَا
الْإِدْرَاكُ وَالتَّصَرُّفُ، أَعْنِي كَمَالَ الْوُجُودِ الْمُتَعَارَفِ، فَهِيَ
فِي الْمَخْلُوقَاتِ بِانْبِثَاثِ الرُّوحِ وَاسْتِقَامَةِ جَرَيَانِ الدَّمِ فِي
الشَّرَايِينِ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَالِقِ مَا يُقَارِبُ أَثَرَ صِفَةِ
الْحَيَاةِ فِينَا، أَعْنِي انْتِفَاءَ الْجَمَادِيَّةِ مَعَ التَّنْزِيهِ عَنْ
عَوَارِضِ الْمَخْلُوقَاتِ. وَفَسَرَّهَا
الْمُتَكَلِّمُونَ بِأَنَّهَا «صِفَةٌ تُصَحِّحُ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ الْإِدْرَاكَ
وَالْفِعْلَ» .وَفَسَّرَ
صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» الْحَيَّ بِالْبَاقِي، أَيِ الدَّائِمِ الْحَيَاةِ بِحَيْثُ
لَا يَعْتَرِيهِ الْعَدَمُ، فَيَكُونُ مُسْتَعْمَلًا كِنَايَةً فِي لَازِمِ
مَعْنَاهُ لِأَنَّ إِثْبَاتَ الْحَيَاةِ لِلَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ هَذَا
الْمَعْنَى لَا يَكُونُ إِلَّا مَجَازًا أَوْ كِنَايَةً. وَقَالَ الْفَخْرُ: «الَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْحَيَّ- فِي أَصْلِ
اللُّغَةِ- لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ صِحَّةِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَة. بل عبار عَنْ
كَمَالِ الشَّيْءِ فِي جِنْسِهِ، قَالَ تَعَالَى: فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِها [الجاثية: 5] ، وَحَيَاةُ الْأَشْجَارِ إِيرَاقُهَا. فَالصِّفَةُ
الْمُسَمَّاةُ- فِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ- بِالْحَيَاةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ
لِأَنَّ كَمَالَ حَالِ الْجِسْمِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِهَا، فَالْمَفْهُومُ الْأَصْلِيُّ مِنْ لَفْظِ
الْحَيِّ كَوْنُهُ وَاقِعًا عَلَى أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ وَصِفَاتِهِ» .وَالْمَقْصُودُ بِوَصْفِ اللَّهِ هُنَا بِالْحَيِّ
إِبْطَالُ عَقِيدَةِ الْمُشْرِكِينَ إِلَاهِيَّةَ أَصْنَامِهِمُ الَّتِي هِيَ
جَمَادَاتٌ، وَكَيْفَ يَكُونُ مُدَبِّرُ أُمُورِ الْخَلْقِ جَمَادًا. وَالْحَيُّ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ حَيِيَ، أَصْلُهُ حَيِيٌ
كَحَذِرٍ أُدْغِمَتِ الْيَاءَانِ، وَهُوَ يَائِيٌّ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ
اللُّغَةِ، وَأَمَّا كِتَابَةُ السَّلَفِ فِي الْمُصْحَفِ كَلِمَةَ حَيَوةٍ
بِوَاوٍ بَعْدَ الْيَاءِ فَمُخَالِفَةٌ لِلْقِيَاسِ، وَقِيلَ كَتَبُوهَا عَلَى
لُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ حَيَوةً أَيْ حَيَاةً، وَقِيلَ
كَتَبُوهَا عَلَى لُغَةِ تَفْخِيمِ الْفَتْحَةِ. (التحرير والتنوير)
[4] ينظر مادة
الْقَيُّومُ والقَيِّمُ والقَيَّامُ
والقائِمُ والقيّوم فَيْعُولٌ مِنْ قَامَ يَقُومُ
وَهُوَ وَزْنُ مُبَالغَة، وَأَصله قيووم فَاجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ
وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتَا،
وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي
الْقِيَامِ الْمُسْتَعْمَلِ- مَجَازًا مَشْهُورًا- فِي تَدْبِير شؤون النَّاسِ،
قَالَ تَعَالَى: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ
عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرَّعْد: 33] . وَالْمَقْصُودُ إِثْبَاتُ عُمُومِ الْعِلْمِ لَهُ وَكَمَالُ الْحَيَاة
وَإِبْطَال إلاهية أَصْنَامِ الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا
يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ مُدَبِّرَ الْكَوْنِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا
جَعَلُوا آلِهَتَهُمْ شُفَعَاءَ وَشُرَكَاءَ وَمُقْتَسِمِينَ أُمُورَ
الْقَبَائِلِ. وَالْمُشْرِكُونَ مِنَ الْيُونَانِ كَانُوا قَدْ جَعَلُوا لِكُلِّ
إِلَهٍ مِنْ آلِهَتِهِمْ أَنْوَاعًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا
وَأُمَمًا مِنَ الْبَشَرِ تَنْتَمِي إِلَيْهِ وَيَحْنَأُ عَلَيْهَا. (التحرير والتنوير) القول في تفسير اسمه (القيوم) قال تعالى: «اللَّهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ» (2) وقال: «وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ» (3)
قال: وقرأ عمر بن الخطاب القيام، ومن الألفاظ المناسبة لهذا الاسم لفظان.أحدهما: القائم،
قال تعالى، «قائِماً بِالْقِسْطِ» (4).والثاني:
القيم: ولم يرد هذا اللفظ في حق اللَّه تعالى، لكنه ورد في صفة القرآن قال:
«وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً» (5). واعلم أنه لا شك في وجود الموجودات،
فهى إما أن تكون بأسرها واجبة، أو بعضها ممكن، وبعضها واجب، أما ضد القسم الأول،
وهى أن تكون كلها ممكنة فهذا محال، لأنه إذا كان الكل ممكنا فقد وجد ذلك الكل
الممكن لا بسبب؛ هذا خلف. والثاني أيضا محال، لأنه إذا وجد موجودان واجبان بالذات
فقد اشتركا في الوجوب، وتباينا بالتعين، فيقع التركيب في ذات كل واحد منهما، وكل
مركب ممكن؛ فكل واحد منهما ممكن، هذا خلف. فلم يبق إلا القسم الثالث، وهو أن يكون
الواحد واجبا، والباقي ممكنا، فذلك الواحد لكونه واجبا بذاته يكون قائما بذاته،
غنيا عن غيره. ولما كان كل ما سواه ممكنا، وكل ممكن فهو مستند إلى الواجب، كان كل
ما سواه مستندا إليه، وكان هو سببا لوجود كل ما سواه، فكان هو سببا لتقويم كل ما
سواه، فثبت أن ذلك الواحد قائم بذاته على الإطلاق، وسبب لقوام كل ما سواه على
الإطلاق، فوجب أن يكون قيوما، لأنها مبالغة من القيام، وكمال المبالغة إنما يحصل
عند الاستغناء به عن كل ما سواه، وافتقار كل ما سواه إليه، فثبت بهذا البرهان
النير أنه سبحانه هو القيوم الحق بالنسبة إلى كل الموجودات. إذا عرفت هذا فنقول:
تأثيره في غيره إما أن يكون بالإيجاب أو بالإيجاد فإن كان الأول لزم من قدمه قدم
كل ما سواه وهو محال، فثبت أن تأثيره في غيره هو بالإيجاد، والموجد بالقصد
والاختيار لا بدّ وأن يكون متصورا ماهية ذلك الشيء الّذي يقصد إلى إيجاده، فثبت أن
المؤثر في العالم فعّال درّاك، ولا معنى للحى إلا ذاك؛ فثبت أنه سبحانه حي، فلهذا
قال: «الْحَيُّ الْقَيُّومُ» دل بقوله
(الحى) على كونه عالما، قادرا، وبقوله
(القيوم) على كونه قائما بذاته، مقوّما لغيره، ومن هذين الأصلين تتشعب جميع المسائل
المعتبرة في علم التوحيد.
واعلم أنه لما ثبت كونه سبحانه قيوما فهذه القيومية لها لوازم. اللازمة الأولى: أن واجب الوجود واحد، بمعنى أن
ماهيته غير مركبة من الأجزاء، إذ لو كان مركبا لكان مفتقرا إلى كل واحد من تلك
الأجزاء، وكل واحد من أجزائه غيره، وكل مركب فهو متقوم بغيره، والمتقوم بغيره لا
يكون متقوما بذاته، ولا هو مقوما لكل ما سواه، فلم يكن قيوما على الإطلاق؛ فاذا
ثبت أنه تعالى فرد في ذاته، فهذه الفردانية لها لازمان. أحدهما: أنه ليس في الوجود شيئان يصدق على كل واحد منهما
أنه واجب لذاته، وإلا لاشتركا في الوجوب الذاتى، وتباينا بالتعين، فتقع الكثرة في
ذات كل واحد منهما. والثاني: أنه
تعالى لما كان فردا امتنع أن يكون متحيزا، لأن كل متحيز فهو منقسم بالقسمة
المقدارية عند قوم، وبالقسمة العقلية عند الكل، لأنه يشارك المتحيزات في كونها
متحيزة، ويمايزها بخصوصية، فيحصل التركيب في الماهية، وإذا لم يكن متحيزا لم يكن
في الجهة البتة. اللازمة
الثانية من لوازم القيومية: أن لا يكون في محل، لا عرضا في موضوع، ولا صورة
في مادة، لأن الحال مفتقر إلى المحل، والقيوم غير مفتقر. اللازمة الثالثة: قال بعض المحققين: لا معنى
للعلم إلا حضور حقيقة المعلوم عند العالم، فإذا كان قيوما كان قائما بنفسه، فكانت
حقيقته حاضرة عنده، وكان عالما بذاته، وذاته مؤثرة في غيره، فيعلم من ذاته كونه
مؤثرا في غيره فيعلم غيره، وهكذا يعلم جميع الموجودات على التركيب النازل من عنده
طولا وعرضا. اللازمة
الرابعة: لما كان قيوما بالنسبة إلى كل ما سواه كان كل ما سواه متقوما به،
أي موجودا بإيجاده، فافتقار ما سواه إليه لا يمكن أن يكون حال البقاء، وإلا لزم
إيجاد الموجود، فلم يبق إلا أن يكون إما حال الحدوث، أو حال العدم، وعلى التقديرين
فكل ما سواه محدث. اللازمة
الخامسة: لما كان قيوما بالنسبة إلى كل الممكنات استند كل الممكنات إليه
إما بواسطة أو بغير واسطة، وعلى التقديرين فيلزم استناد أفعال العباد إليه، فكان
القول بالقدر لازما، فظهر أن قوله
الحى القيوم كالينبوع لجميع مباحث العلم الإلهي، فلا جرم بلغت الآيات المشتملة
على هذين اللفظين في الشرف إلى المقصد الأقصى. وإذا عرفت هذا: فالقيوم من حيث إنه
يدل على تقومه بذاته يدل على وجوده الخاص به، أو على السلب، وهو استغناؤه عن غيره،
ومن حيث كونه مقوما لغيره كان من باب الإضافات. روى عن ابن عباس أنه كان يقول: أعظم أسماء اللَّه: الحى القيوم. وقال عليّ عليه السلام: لما كان يوم بدر، قاتلت
شيئا من القتال، ثم جئت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنظر ما ذا يصنع،
فإذا هو ساجد يقول: «يا حي يا قيوم» لا يزيد عليه، ثم رجعت إلى القتال، ثم جئت وهو
يقول ذلك، فلا أزال أذهب وأرجع، وأنظره. لا يزيد على ذلك، إلى أن فتح اللَّه له. واعلم
أنه من عرف أنه سبحانه هو القائم، والقيم،
والقيام، والقيوم، انقطع قلبه عن الخلق. قال أبو يزيد: حسبك من التوكل أن لا
ترى لنفسك ناصرا غيره، ولا لرزقك خازنا غيره، ولا لعلمك شاهدا غيره.(لوامع البينات شرح أسماء الله تعالى
والصفات – فخر الدين الرازي)
[5] وَجُمْلَةُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ «اللَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ»
وَلِرَفْعِ احْتِمَالِ الْمُبَالَغَةِ فِيهَا، فَالْجُمْلَةُ مُنَزَّلَةٌ
مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ لِمَعْنَى الْحَيِّ الْقَيُّومِ وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنِ
الَّتِي قَبْلَهَا. والسّنة فِعْلَةٌ مِنَ الْوَسَنِ، وَهُوَ أَوَّلُ
النَّوْمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلهَا اسْم هيأة كَسَائِرِ مَا جَاءَ عَلَى
وَزْنِ فِعْلَةٍ من الواوي لفاء، وَقَدْ قَالُوا وَسَنَةٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى
صِيغَةِ الْمَرَّةِ. وَالسِّنَةُ أَوَّلُ النَّوْمِ، قَالَ عَدِيُّ بْنُ
الرِّقَاعِ: وَسْنَانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ ... فِي عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيْسَ بِنَائِمِ - وَالنَّوْمُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ فُتُورٌ يَعْتَرِي أَعْصَابَ
الدِّمَاغِ مِنْ تَعَبِ إِعْمَالِ الْأَعْصَابِ من تَصَاعُدِ الْأَبْخِرَةِ
الْبَدَنِيَّةِ النَّاشِئَةِ عَنِ الْهَضْمِ وَالْعَمَلِ الْعَصَبِيِّ،
فَيَشْتَدُّ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ وَمَجِيءِ الظُّلْمَةِ فَيَطْلُبُ
الدِّمَاغُ وَالْجِهَازُ الْعَصَبِيُّ الَّذِي يُدَبِّرُهُ الدِّمَاغُ اسْتِرَاحَةً
طَبِيعِيَّةً فَيَغِيبُ الْحِسُّ شَيْئًا فَشَيْئًا وَتَثْقُلُ حَرَكَةُ
الْأَعْضَاءِ، ثُمَّ يَغِيبُ الْحِسُّ إِلَى أَنْ تَسْتَرْجِعَ الْأَعْصَابُ
نَشَاطَهَا فَتَكُونَ الْيَقَظَةُ. وَنَفْيُ اسْتِيلَاءِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ
عَلَى اللَّهِ تَعَالَى تَحْقِيقٌ لِكَمَالِ الْحَيَاةِ وَدَوَامِ التَّدْبِيرِ،
وَإِثْبَاتٌ لِكَمَالِ الْعِلْمِ فَإِنَّ السِّنَةَ وَالنَّوْمَ يُشْبِهَانِ
الْمَوْتَ، فَحَيَاةُ النَّائِمِ فِي حَالِهِمَا حَيَاةٌ ضَعِيفَةٌ، وَهُمَا
يَعُوقَانِ عَنِ التَّدْبِيرِ وَعَنِ الْعِلْمِ بِمَا يَحْصُلُ فِي وَقْتِ
اسْتِيلَائِهِمَا عَلَى الْإِحْسَاسِ. وَنَفْيُ
السِّنَةِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُغْنِي عَنْ نَفْيِ النَّوْمِ عَنْهُ
لِأَنَّ مِنَ الْأَحْيَاءِ مَنْ لَا تَعْتَرِيهِ السِّنَةُ فَإِذَا نَامَ نَامَ
عَمِيقًا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَأْخُذُهُ السِّنَةُ فِي غَيْرِ وَقْتِ النَّوْمِ
غَلَبَةً، وَقَدْ تَمَادَحَتِ الْعَرَبُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى السَهَرِ، قَالَ
أَبُو كَبِيرٍ: فَأَتَتْ بِهِ حُوشَ الْفُؤَادِ مُبَطَّنًا ... سُهُدًا إِذَا مَا نَامَ لَيْلُ الْهَوْجَلِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ لَا يَحْجُبُ
عِلْمَهُ شَيْءٌ حَجْبًا ضَعِيفًا وَلَا طَوِيلًا وَلَا غَلَبَةً وَلَا
اكْتِسَابًا، فَلَا حَاجَةَ إِلَى مَا تَطَلَّبَهُ الْفَخْرُ وَالْبَيْضَاوِيُّ
مِنْ أَنَّ تَقْدِيمَ السِّنَةِ عَلَى النَّوْمِ مُرَاعًى فِيهِ تَرْتِيبُ
الْوُجُودِ، وَأَنَّ ذِكْرَ النَّوْمِ مِنْ قَبِيلِ الِاحْتِرَاسِ. وَقَدْ أَخَذَ
هَذَا الْمَعْنَى بَشَّارٌ وَصَاغَهُ بِمَا يُنَاسِبُ صِنَاعَةَ الشِّعْرِ
فَقَالَ: وَلَيْلٍ دَجُوجِيٍّ تَنَامُ بَنَاتُهُ ... وَأَبْنَاؤُهُ مِنْ طُولِهِ (1) وَرَبَائِبُهْ - فَإِنَّهُ أَرَادَ مِنْ
بَنَاتِ اللَّيْلِ وَأَبْنَائِهِ السَّاهِرَاتِ وَالسَّاهِرِينَ بِمُوَاظَبَةٍ،
وَأَرَادَ بِرَبَائِبِ اللَّيْلِ مَنْ هُمْ أَضْعَفُ مِنْهُمْ سَهَرًا لِلَيْلٍ
لِأَنَّ الرَّبِيبَ أَضْعَفُ نِسْبَةً مِنَ الْوَلَدِ وَالْبِنْتِ. (التحرير والتنوير)
[6] وَجُمْلَةُ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي
الْأَرْضِ تَقْرِيرٌ لِانْفِرَادِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ إِذْ جَمِيعُ
الْمَوْجُودَاتِ مَخْلُوقَاتُهُ، وَتَعْلِيلٌ لِاتِّصَافِهِ بِالْقَيُّومِيَّةِ لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ
جَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ مِلْكًا لَهُ فَهُوَ حَقِيقٌ بِأَنْ يَكُونَ قَيُّومَهَا
وَأَلَّا يُهْمِلَهَا وَلِذَلِكَ فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَاللَّامُ
لِلْمِلْكِ. وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ اسْتِغْرَاقُ أَمْكِنَةِ
الْمَوْجُودَاتِ، فَقَدْ دَلَّتِ الْجُمْلَةُ عَلَى عُمُومِ الْمَوْجُودَاتِ
بِالْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ مِلْكُهُ لِلْعُمُومِ ثَبَتَ أَنَّهُ
لَا يَشِذُّ عَنْ مِلْكِهِ مَوْجُودٌ فَحَصَلَ مَعْنَى الْحَصْرِ، وَلَكِنَّهُ
زَادَهُ تَأْكِيدًا بِتَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ- أَيْ لَا لِغَيْرِهِ- لِإِفَادَةِ
الرَّدِّ عَلَى أَصْنَافِ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الصَّابِئَةِ عَبْدَةِ
الْكَوَاكِبِ كَالسُّرْيَانِ وَالْيُونَانِ وَمِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لِأَنَّ
مُجَرَّدَ حُصُولِ مَعْنَى الْحَصْرِ بِالْعُمُومِ لَا يَكْفِي فِي الدَّلَالَةِ
عَلَى إِبْطَالِ الْعَقَائِدِ الضَّالَّةِ. فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ أَفَادَتْ
تَعْلِيمَ التَّوْحِيدِ بِعُمُومِهَا، وَأَفَادَتْ إِبْطَالَ عَقَائِدِ أَهْلِ
الشِّرْكِ بخصوصية الْقصر، وَهَذَا بلاغة معْجزَة. (التحرير والتنوير)
[7] وَجُمْلَةُ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ
إِلَّا بِإِذْنِهِ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ لَهُ مَا فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِمَا أَفَادَهُ لَامُ الْمِلْكِ مِنْ شُمُولِ
مِلْكِهِ تَعَالَى لِجَمِيعِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَمَا
تَضَمَّنَهُ تَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ مِنْ قَصْرِ ذَلِكَ الْمِلْكِ عَلَيْهِ
تَعَالَى قَصْرَ قَلْبٍ، فَبَطَلَ وَصْفُ الْإِلَهِيَّةِ عَن غَيره تَعَالَى،
بِالْمُطَابَقَةِ. وَبَطَلَ حَقُّ الْإِدْلَالِ عَلَيْهِ وَالشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ-
الَّتِي لَا تُرَدُّ- بِالِالْتِزَامِ، لِأَنَّ الْإِدْلَالَ مِنْ شَأْنِ
الْمُسَاوِي وَالْمُقَارِبِ، وَالشَّفَاعَةُ إِدْلَالٌ. وَهَذَا إِبْطَالٌ لِمُعْتَقَدِ
مُعْظَمِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ
لَمْ يُثْبِتُوا لِآلِهَتِهِمْ وَطَوَاغِيتِهِمْ أُلُوهِيَّةً تَامَّةً، بَلْ
قَالُوا: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يُونُس: 18] وَقَالُوا: مَا
نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: 3] ، فَأَكَّدَ
هَذَا الْمَدْلُولَ بِالصَّرِيحِ، وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَمَّا
قَبْلَهَا. وذَا مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ إِذْ لَيْسَ ثَمَّ مُشَارٌ إِلَيْهِ
مُعَيَّنٌ، وَالْعَرَبُ تَزِيدُ (ذَا) لِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِشَارَةُ مِنْ وُجُودِ
شَخْصٍ مُعَيَّنٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الِاسْتِفْهَامِ، حَتَّى إِذا أظهر
عَدَمُ وُجُودِهِ كَانَ ذَلِكَ أَدَلَّ عَلَى أَنْ لَيْسَ ثَمَّةَ مُتَطَلِّعٍ
يُنَصِّبُ نَفْسَهُ لِادِّعَاءِ هَذَا الْحُكْمِ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي (مَنْ
ذَا) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً
حَسَناً [الْبَقَرَة: 245] . وَالِاسْتِفْهَامُ
فِي قَوْلِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي
الْإِنْكَارِ وَالنَّفْيِ بِقَرِينَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ إِلَّا
بِإِذْنِهِ. وَالشَّفَاعَةُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ
تَعَالَى: لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ [الْبَقَرَة: 54]
.وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ بِحَقٍّ وَإِدْلَالٍ لِأَنَّ
الْمَخْلُوقَاتِ كُلَّهَا مِلْكُهُ، وَلَكِنْ يَشْفَعُ عِنْدَهُ مَنْ أَرَادَ هُوَ
أَنْ يُظْهِرَ كَرَامَتَهُ عِنْدَهُ فَيَأْذَنَهُ بِأَنْ يَشْفَعَ فِيمَنْ أَرَادَ
هُوَ الْعَفْوَ عَنْهُ، كَمَا يُسْنَدُ إِلَى الْكُبَرَاءِ مُنَاوَلَةُ
الْمَكْرُمَاتِ إِلَى نُبَغَاءِ التَّلَامِذَةِ فِي مَوَاكِبِ الِامْتِحَانِ،
وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيهِ النَّاسُ لِيُكَلِّمَ رَبَّهُ فَيُخَفِّفَ عَنْهُمْ
هَوْلَ مَوْقِفِ الْحِسَابِ، فَيَأْتِي حَتَّى يَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ
وَيَتَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ يُعَلِّمُهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهَا، فَيُقَالُ يَا
مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَسُجُودُهُ
اسْتِيذَانٌ فِي الْكَلَامِ، وَلَا يَشْفَعُ حَتَّى يُقَالَ اشْفَعْ،
وَتَعْلِيمُهُ الْكَلِمَاتِ مُقَدَّمَةٌ لِلْإِذْنِ. (التحرير والتنوير)
[8] وَجُمْلَةُ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما
خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ تَقْرِيرٌ وَتَكْمِيلٌ
لِمَا تَضَمَّنَهُ مَجْمُوعُ جُمْلَتَيْ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ
سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ وَلِمَا تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ
عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ جُمْلَتَيْ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا
تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ دَلَّتَا
عَلَى عُمُومِ عِلْمِهِ بِمَا حَدَثَ وَوُجِدَ مِنَ الْأَكْوَانِ وَلَمْ تَدُلَّا عَلَى عِلْمِهِ
بِمَا سَيَكُونُ فَأَكَّدَ وَكَمَّلَ بِقَوْلِهِ يَعْلَمُ الْآيَةَ، وَهِيَ
أَيْضًا تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ
عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِذْ قَدْ يتّجه سُؤال لماذَا حُرِمُوا الشَّفَاعَةَ
إِلَّا بَعْدَ الْإِذْنِ فَقِيلَ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الشَّفَاعَةَ
وَرُبَّمَا غَرَّتْهُمُ الظَّوَاهِر، وَالله يعْلم مَنْ يَسْتَحِقُّهَا فَهُوَ
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلِأَجْلِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ
عَمَّا قَبْلَهَا. وَالْمُرَادُ بِمَا
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مَا هُوَ مُلَاحَظٌ لَهُمْ مِنَ
الْمَعْلُومَاتِ وَمَا خَفِيَ عَنْهُمْ أَوْ ذُهِلُوا عَنْهُ مِنْهَا، أَوْ مَا
هُوَ وَاقِعٌ بَعْدَهُمْ وَمَا وَقَعَ قَبْلَهُمْ. وَأَمَّا عِلْمُهُ بِمَا فِي
زَمَانِهِمْ فَأَحْرَى. وَقِيلَ الْمُسْتَقْبَلُ هُوَ مَا بَيْنَ الْأَيْدِي
وَالْمَاضِي هُوَ الْخَلْفُ، وَقِيلَ عَكْسُ ذَلِكَ، وَهُمَا اسْتِعْمَالَانِ
مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ الِاعْتِبَارِ فِي تَمْثِيلِ مَا بَيْنَ الْأَيْدِي
وَالْخَلْفِ، لِأَنَّ مَا بَيْنَ أَيْدِي الْمَرْءِ هُوَ أَمَامُهُ، فَهُوَ يَسْتَقْبِلُهُ
وَيُشَاهِدُهُ وَيَسْعَى لِلْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَمَا خَلْفَهُ هُوَ مَا وَرَاءَ
ظَهْرِهِ، فَهُوَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْهُ وَانْقَطَعَ وَلَا يُشَاهِدُهُ، وَقَدْ
تَجَاوَزَهُ وَلَا يَتَّصِلُ بِهِ بَعْدُ وَقِيلَ أُمُورُ الدُّنْيَا وَأُمُورُ
الْآخِرَةِ، وَهُوَ فَرْعٌ مِنَ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَقِيلَ المحسوسات
والمعقولات. وأياما كَانَ فَاللَّفْظُ مَجَازٌ، وَالْمَقْصُودُ عُمُومُ الْعِلْمِ
بِسَائِرِ الْكَائِنَاتِ. وَضَمِيرُ
أَيْدِيهِمْ وخَلْفَهُمْ عَائِدٌ إِلَى مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي
الْأَرْضِ بِتَغْلِيبِ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّ الْمُرَادَ
بِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مَا يَشْمَلُ أَحْوَالَ غَيْرِ
الْعُقَلَاءِ، أَوْ هُوَ عَائِدٌ عَلَى خُصُوصِ الْعُقَلَاءِ مِنْ عُمُومِ مَا فِي
السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْضِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مَا يَخْتَصُّ بِأَحْوَالِ
الْبَشَرِ- وَهُوَ الْبَعْضُ، لِضَمِيرِ وَلَا يُحِيطُونَ- لِأَنَّ الْعِلْمَ مِنْ
أَحْوَالِ الْعُقَلَاءِ.وَعُطِفَتْ جُمْلَةُ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ
عِلْمِهِ عَلَى جُمْلَةِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لِأَنَّهَا تَكْمِلَةٌ
لِمَعْنَاهَا كَقَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
[الْبَقَرَة: 216] .وَمَعْنَى يُحِيطُونَ يَعْلَمُونَ عِلْمًا تَامًّا، وَهُوَ
مُجَازٌ حَقِيقَتُهُ أَنَّ الْإِحَاطَةَ بِالشَّيْءِ تَقْتَضِي الِاحْتِوَاءَ
عَلَى جَمِيعِ أَطْرَافِهِ بِحَيْثُ لَا يَشِذُّ مِنْهُ شَيْء من أَوَّلِهِ وَلَا
آخِرِهِ، فَالْمَعْنَى لَا يَعْلَمُونَ- عِلْمَ الْيَقِينِ- شَيْئًا مِنْ
مَعْلُومَاتِهِ، وَأَمَّا مَا يَدَّعُونَهُ فَهُوَ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ. فَالْعِلْمُ فِي قَوْلِهِ:مِنْ عِلْمِهِ
بِمَعْنى الْمَعْلُوم، كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى
ضَمِيرِ اسْمِ الْجَلَالَةِ تَخْصِيصٌ لَهُ بِالْعُلُومِ اللَّدُنِّيَّةِ الَّتِي
اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهَا وَلَمْ يُنَصِّبِ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا دَلَائِلَ
عَقْلِيَّةً أَوْ عَادِيَّةً. وَلِذَلِكَ فَقَوْلُهُ:
إِلَّا بِما شاءَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ يُطْلِعُ
بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ عَلَى مَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ عِلْمِهِ كَقَوْلِهِ: عالِمُ
الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ
[الْجِنّ: 26، 27]
(التحرير والتنوير)
[9] وَقَوْلُهُ: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ
تَقْرِيرٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْجُمَلُ كُلُّهَا مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى
وَكِبْرِيَائِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَبَيَانِ عَظَمَةِ مَخْلُوقَاتِهِ
الْمُسْتَلْزِمَةِ عَظَمَةَ شَأْنِهِ، أَوْ لِبَيَانِ سِعَةِ مُلْكِهِ- كَذَلِكَ-
كَمَا سَنُبَيِّنُهُ، وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْجُمَلُ مُتَرَتِّبَةً
مُتَفَرِّعَةً. وَالْكُرْسِيُّ شَيْءٌ يُجْلَسُ عَلَيْهِ مُتَرَكِّبٌ مِنْ
أَعْوَادٍ أَوْ غَيْرِهَا مَوْضُوعَةٍ كَالْأَعْمِدَةِ مُتَسَاوِيَةٍ، عَلَيْهَا
سَطْحٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ بِمِقْدَارِ مَا يَسَعُ شَخْصًا وَاحِدًا فِي
جُلُوسِهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَكَانَ مُرْتَفِعًا فَهُوَ الْعَرْشُ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ حَقِيقَةَ
الْكُرْسِيِّ إِذْ لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى لِاقْتِضَائِهِ التَّحَيُّزَ،
فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ غَيْرُ حَقِيقَتِهِ. وَالْجُمْهُورُ قَالُوا: إِنَّ الْكُرْسِيَّ
مَخْلُوقٌ عَظِيمٌ، وَيُضَافُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِعَظَمَتِهِ، فَقِيلَ هُوَ
الْعَرْشُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ
الْكُرْسِيَّ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ
وَتَكَرَّرَ ذِكْرُ الْعَرْشِ، وَلَمْ يَرِدْ ذِكْرُهُمَا مُقْتَرِنَيْنِ، فَلَوْ
كَانَ الْكُرْسِيُّ غَيْرَ الْعَرْشِ لَذُكِرَ مَعَهُ كَمَا ذُكِرَتِ السَّمَاوَاتُ
مَعَ الْعَرْشِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ
وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [الْمُؤْمِنُونَ: 86] ، وَقِيلَ الْكُرْسِيُّ غَيْرُ
الْعَرْشِ، فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ هُوَ دُونَ الْعَرْشِ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ
أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا
الْكُرْسِيُّ فِي الْعَرْشِ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِيَتْ بَيْنَ ظَهْرَيْ
فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ» وَهُوَ حَدِيثٌ لَمْ يَصِحَّ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى
الْأَشْعَرِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ: الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ
مِنَ الْعَرْشِ، أَيْ لِأَنَّ الْجَالِسَ عَلَى عَرْشٍ يَكُونُ مُرْتَفِعًا عَنِ
الْأَرْضِ فَيُوضَعُ لَهُ كُرْسِيٌّ لِئَلَّا تَكُونَ رِجْلَاهُ فِي الْفَضَاءِ
إِذَا لَمْ يَتَرَبَّعْ، وَرُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ
الْكُرْسِيُّ مَثَلٌ لِعِلْمِ اللَّهِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّ
الْعَالِمَ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيٍّ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ. وَقِيلَ مَثَلٌ
لِمُلْكِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَقُولُونَ فُلَانٌ صَاحِبُ كُرْسِيِّ الْعِرَاقِ
أَيْ مُلْكِ الْعِرَاقِ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: «وَلَعَلَّهُ الْفَلَكُ
الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِفَلَكِ الْبُرُوجِ» . قُلْتُ أَثْبَتَ الْقُرْآنُ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ مُسَمَّاهَا فِي قَوْلِهِ (سُورَةِ نُوحٍ) : أَلَمْ تَرَوْا
كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً
وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً [نوح: 15، 16] ، فَيَجُوزُ أَن تكون السَّمَوَات
طَبَقَاتٍ مِنَ الْأَجْوَاءِ مُخْتَلِفَةَ الْخَصَائِصِ مُتَمَايِزَةً بِمَا
يَمْلَأُهَا مِنَ العناصر، وَهِي مسبح الْكَوَاكِبِ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى
(سُورَةُ الْمُلْكِ) : وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ
[الْملك: 5] ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ السَّمَاوَاتُ هِيَ الْكَوَاكِبَ
الْعَظِيمَةَ الْمُرْتَبِطَةَ بِالنِّظَامِ الشَّمْسِيِّ وَهِيَ: فُلْكَانَ،
وَعُطَارِدُ، وَالزُّهْرَةُ، وَهَذِهِ تَحْتَ الشَّمْسِ إِلَى الْأَرْضِ،
وَالْمِرِّيخُ، وَالْمُشْتَرِي، وَزُحَلُ، وَأُورَانُوسُ، وَنِبْتُونُ، وَهَذِهِ
فَوْقَ الشَّمْسِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي الْبُعْدِ، إِلَّا أَنَّهَا فِي
عِظَمِ الْحَجْمِ يَكُونُ أَعْظَمَهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ زُحَلُ، ثُمَّ
نِبْتُونُ، ثُمَّ أُورَانُوسُ، ثُمَّ الْمِرِّيخُ، فَإِذَا كَانَ الْعَرْشُ
أَكْبَرَهَا فَهُوَ الْمُشْتَرِي، وَالْكُرْسِيُّ دُونَهُ فَهُوَ زُحَلُ،
وَالسَّبْعُ الْبَاقِيَةُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ، وَيُضَمُّ إِلَيْهَا الْقَمَرُ،
وَإِنْ كَانَ الْكُرْسِيُّ هُوَ الْعَرْشَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى عَدِّ الْقَمَرِ،
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالشَّمْسُ مِنْ جُمْلَةِ الْكَوَاكِبِ، وَقَوْلُهُ
تَعَالَى: وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً [نوح: 16] تَخْصِيصٌ لَهَا بِالذِّكْرِ
لِلِامْتِنَانِ عَلَى النَّاسِ بِأَنَّهَا نُورٌ لِلْأَرْضِ، إِلَّا أَنَّ
الشَّمْسَ أَكْبَرُ مِنْ جَمِيعِهَا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. وَإِذَا كَانَتِ
السَّمَاوَاتُ أَفْلَاكًا سَبْعَةً لِشُمُوسٍ غَيْرِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَلِكُلِّ
فَلَكٍ نِظَامُهُ كَمَا لِهَذِهِ الشَّمْسِ نِظَامُهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ-
وَسُبْحَانَ مَنْ لَا تُحِيطُ بِعَظَمَةِ قُدْرَتِهِ الْأَفْهَامُ- فَيَكُونُ
الْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَبَّهَنَا إِلَى عَظِيمِ
قُدْرَتِهِ وَسِعَةِ مَلَكُوتِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ مُوَافَقَتِهِ
لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا ذَلِكَ لِأَنَّ
تَفْصِيلَهُ لَيْسَ من غَرَض لاستدلال عَلَى عَظَمَتِهِ، وَلِأَنَّ الْعُقُولَ لَا
تَصِلُ إِلَى فَهْمِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى عُلُومٍ وَاسْتِكْمَالَاتٍ فِيهَا لَمْ
تَتِمَّ إِلَى الْآنَ، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ. (التحرير والتنوير)
[10] وَجُمْلَة وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما عُطِفَتْ عَلَى جُمْلَةِ وَسِعَ
كُرْسِيُّهُ لِأَنَّهَا مِنْ تَكْمِلَتِهَا وَفِيهَا ضَمِيرٌ مَعَادُهُ فِي
الَّتِي قَبْلَهَا، أَيْ أَنَّ الَّذِي أَوْجَدَ هَاتِهِ الْعَوَالِمَ لَا
يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِهَا. وآده جَعَلَهُ ذَا أَوَدٍ. وَالْأَوَدُ- بِالتَّحْرِيكِ-
الْعِوَجُ، وَمَعْنَى آدَهُ أَثْقَلَهُ لِأَنَّ الْمُثْقَلَ يَنْحَنِي فَيَصِيرُ
ذَا أَوَدٍ. (التحرير
والتنوير)
[11] وَعُطِفَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِهِ، وَالْعُلُوُّ وَالْعَظَمَةُ مُسْتَعَارَانِ لِشَرَفِ الْقَدْرِ وَجَلَالِ الْقُدْرَةِ. وَلِهَذِهِ الْآيَةِ فَضْلٌ كَبِيرٌ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ أُصُولِ مَعْرِفَةِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا اشْتَمَلَتْ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ عَلَى ذَلِكَ وَكَمَا اشْتَمَلَتْ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ. فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ آتِيًا أَتَاهُ فِي اللَّيْلِ فَأَخَذَ مِنْ طَعَامِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَلَمَّا أَمْسَكَهُ قَالَ لَهُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ» فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَدَقَكَ وَذَلِكَ شَيْطَانٌ» وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أُبَيِّ ابْن كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيَّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ- قُلْتُ- اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ» وَرَوَى النَّسَائِيُّ: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا الْمَوْتُ» ، وَفِيهَا فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ مُجَرَّبَةٌ لِلتَّأْمِينِ عَلَى النَّفس وَالْبَيْت (التحرير والتنوير)