HIDUP ADALAH UJIAN

SELAMAT DATANG DI BLOG " KHAIRUL IKSAN "- Phone : +6281359198799- e-mail : khairul.iksan123@gmail.com

Minggu, 04 Agustus 2024

Tafsir QS.Al-Baqoroh Ayat 284

 




Tafsir QS.Al-Baqoroh Ayat 284 -  286

    I.         Topik Bahasan

A.   Siapakah Penguasa dan Pemilik Segala Sesuatu Yang Ada Dilangit dan di bumi? (QS. Al-Baqoroh 284)

B.   Apakah segala yang terbersit dalam hati akan dihisab / diperhitungkan oleh Allah SWT ? (QS. Al-Baqoroh 284)

II.         Pembahasan

 

1)    لِّلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا۟ مَا فِىٓ أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ ٱللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ  (البقرة 284)

Kepunyaan Allah-lah segala apa yang ada di langit dan apa yang ada di bumi. Dan jika kamu melahirkan apa yang ada di dalam hatimu atau kamu menyembunyikannya, niscaya Allah akan membuat perhitungan dengan kamu tentang perbuatanmu itu. Maka Allah mengampuni siapa yang dikehendaki-Nya dan menyiksa siapa yang dikehendaki-Nya; dan Allah Maha Kuasa atas segala sesuatu.

ü  Tafsir NU

ü  Tafsir WEB   

ü Tafsir Jalalain, dll serta Penjelasannya -

(284) {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض[1] وَإِنْ تُبْدُوا} تُظْهِرُوا {مَا فِي أَنْفُسكُمْ} مِنْ السُّوء وَالْعَزْم عَلَيْهِ {أَوْ تُخْفُوهُ} تُسِرُّوهُ {يُحَاسِبكُمْ} يُخْبِركُمْ {بِهِ اللَّه[2]} يَوْم الْقِيَامَة {فَيَغْفِر لِمَنْ يَشَاء} الْمَغْفِرَة لَهُ {وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء} تَعْذِيبه وَالْفِعْلَانِ بِالْجَزْمِ عَطْف عَلَى جَوَاب الشَّرْط وَالرَّفْع أَيْ فَهُوَ[3] {وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير[4]} وَمِنْهُ مُحَاسَبَتكُمْ وَجَزَاؤُكُمْ (الجلالين)



[1]  أي ملكاً وخلقاً وعبيداً وهذا كالدليل لما قبله، وعبر بما تغليباً لغير العاقل لكثرته. (حاشية الصاوي المالكي (1175 - 1241 هـ) فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: قَالَ الْأَصَمُّ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا جَمَعَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ، وَهُوَ دَلِيلُ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ، وَأَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ بِبَيَانِ الشَّرَائِعِ وَالتَّكَالِيفِ، وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْقِصَاصِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ، وَالْحَيْضِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِدَّةِ، وَالصَّدَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالرَّضَاعِ، وَالْبَيْعِ، وَالرِّبَا، وَكَيْفِيَّةِ الْمُدَايَنَةِ خَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ. وَأَقُولُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ كِمَالَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ لَيْسَتْ إِلَّا الْقُدْرَةَ وَالْعِلْمَ، فَعَبَّرَ سُبْحَانَهُ عَنْ كَمَالِ الْقُدْرَةِ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مُلْكًا وَمِلْكًا، وَعَبَّرَ عَنْ كَمَالِ الْعِلْمِ الْمُحِيطِ بِالْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ وَإِذَا حَصَلَ كَمَالُ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ، فَكَانَ كل من في السموات وَالْأَرْضِ عَبِيدًا مَرْبُوبِينَ وُجِدُوا بِتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ كَانَ ذَلِكَ غَايَةَ الْوَعْدِ لِلْمُطِيعِينَ، وَنِهَايَةَ الْوَعِيدِ لِلْمُذْنِبِينَ، فَلِهَذَا السَّبَبِ خَتَمَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ، قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [الْبَقَرَةِ: 283] ذَكَرَ عَقِيبَهُ مَا يَجْرِي مَجْرَى الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ فَقَالَ: لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَمَعْنَى هَذَا الْمِلْكِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَمَّا كَانَتْ مُحْدَثَةً فَقَدْ وُجِدَتْ بِتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ وَإِبْدَاعِهِ وَمَنْ كَانَ فَاعِلًا لِهَذِهِ الْأَفْعَالِ الْمُحْكَمَةِ الْمُتْقَنَةِ الْعَجِيبَةِ الْغَرِيبَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحِكَمِ الْمُتَكَاثِرَةِ وَالْمَنَافِعِ الْعَظِيمَةِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهَا إِذْ مِنَ الْمُحَالِ صُدُورُ الْفِعْلِ الْمُحْكَمِ الْمُتْقَنِ عَنِ الْجَاهِلِ بِهِ، فَكَأَنَّ اللَّهَ تعالى احتج بخلقه السموات وَالْأَرْضَ مَعَ مَا فِيهِمَا مِنْ وُجُوهِ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا بِهَا مُحِيطًا بِأَجْزَائِهَا وَجُزْئِيَّاتِهَا. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ، قَالَ الْقَاضِي: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِهَذِهِ الوثائق أعني الكتبة وَالْإِشْهَادَ وَالرَّهْنَ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْأَمْرِ بِهَا صِيَانَةَ الْأَمْوَالِ، وَالِاحْتِيَاطَ فِي حِفْظِهَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إِنَّمَا الْمَقْصُودُ لِمَنْفَعَةٍ تَرْجِعُ إِلَى الْخَلْقِ لَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ مِنْهَا فإنه له ملك السموات وَالْأَرْضِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: قَالَ الشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَهَى عَنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ وأوعد عليه بيّن أنه له ملك السموات وَالْأَرْضِ فَيُجَازِي عَلَى الْكِتْمَانِ وَالْإِظْهَارِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا في السموات وَالْأَرْضِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِلَّهِ لَيْسَ لَامَ الْغَرَضِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ غَرَضُ الْفَاسِقِ مِنْ فِسْقِهِ طَاعَةَ اللَّهِ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ لَامَ الْمُلْكِ وَالتَّخْلِيقِ.(الفرق بين التعليل بـ(كي)وباللام في قوله تعالى (وليعلموا)آية 21): (ما الفرق بين التعليل بـ (كي)وباللام في قوله تعالى (وليعلموا)؟ (د.فاضل السامرائى) التعليل بكي واللام هل التعليل بهما متطابق؟ الحقيقة أنه لا يبدو هناك فرق واضح بينهما في التعليل، فهما متقاربان جدا، غير أن الذي يبدو أن الأصل في (كي) أن تستعمل لبيان الغرض الحقيقي المؤكد ، واللام تستعمل له ولغيره، فاللام أوسع استعمالا من (كي)، وهذا ما نراه في الاستعمال القرآني. “وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها” الكهف 21، وهذا في أصحاب الكهف وهم يعلمون أن وعد الله حق ولا شك، وكيف لا وهم فارقوا قومهم لإيمانهم بالله تعالى؟ فلو قال (كي يعلموا) لكان المعنى أن هذا هو الغرض الحقيقي وقد كانوا يجهلون ذاك (كي) تستعمل للغرض الحقيقي، أما اللام فهي أوسع استعمالا منها، وأن الجمع بينهما يفيد التوكيد والله أعلم.- الفرق بين التعليل بـ ( كي)وباللام في قوله تعالى (وليعلموا) - البيان القرآني (albayanalqurany.com)) الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: احْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ ما في السموات وَالْأَرْضِ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ وَمَاهِيَّاتِهَا فَهِيَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ تَحْتَ قُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنَّمَا تَكُونُ الْحَقَائِقُ وَالْمَاهِيَّاتُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى تَحْقِيقِ تِلْكَ الْحَقَائِقِ، وَتَكْوِينِ تِلْكَ الْمَاهِيَّاتِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى مُكَوِّنَةً لِلذَّوَاتِ، وَمُحَقِّقَةً لِلْحَقَائِقِ، فَكَانَ القول بأن المعدوم شيئاً بَاطِلًا. (مفاتيح الغيب (المتوفى: 606هـ))

[2]  قوله: (والعزم عليه) عطف تفسير وهذا هو محل المؤاخذة، وهو إشارة لجواب عن الآية حيث عمم في المؤاخذة مع أن لا يؤاخذ إلا بالفعل أو العزم عليه، ولكن ينافيه ما يأتي من أن عموم الآية منسوخ بآية (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) إلا أن يقال إنه إشارة لجواب آخر، فما يأتي على هذا بيان للمراد هنا، والحاصل أنه إن أبقيت الآية على عمومها كانت منسوخة بما بعدها وإن حملت على العزم فلا نسخ، وما يأتي توضيح لما أجمل هنا، وقد تقدمت مراتب القصد نظماً ونثراً - مراتب القصد خمس هاجس ذكروا فخاطر فحديث النفس فاستمعا يليه هم فعزم كلها رفعتسوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا (حاشية الصاوي) يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَمُعَاذٌ وَنَاسٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلِّفْنَا مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا نُطِيقُ إِنَّ أَحَدَنَا لَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِمَا لَا يُحِبُّ أَنْ يَثْبُتَ فِي قَلْبِهِ، وَإِنَّ لَهُ الدُّنْيَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَعَلَّكُمْ تَقُولُونَ كَمَا قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، فَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَمَكَثُوا فِي ذَلِكَ حَوْلًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [الْبَقَرَةِ: 286] فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ مَا لَمْ يَعْمَلُوا أَوْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ».وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ الْبَحْثِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ يَتَنَاوَلُ حَدِيثَ النَّفْسِ، وَالْخَوَاطِرَ الْفَاسِدَةَ الَّتِي تَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهَا، فَالْمُؤَاخَذَةُ بِهَا تَجْرِي مَجْرَى تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، وَالْعُلَمَاءُ أَجَابُوا عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْخَوَاطِرَ الْحَاصِلَةَ فِي الْقَلْبِ عَلَى قِسْمَيْنِ، فَمِنْهَا مَا يُوَطِّنُ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ عَلَيْهِ وَيَعْزِمُ عَلَى إِدْخَالِهِ فِي الْوُجُودِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ بَلْ تَكُونُ أُمُورًا خَاطِرَةً بِالْبَالِ مَعَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَكْرَهُهَا وَلَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهَا عَنِ النَّفْسِ، فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: يَكُونُ مُؤَاخَذًا بِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ مُؤَاخَذًا بِهِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [الْبَقَرَةِ: 225] وَقَالَ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ [الْبَقَرَةِ: 286] وَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [النُّورِ: 19] هَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ فِي الْقَلْبِ مِمَّا لَا يَدْخُلُ فِي الْعَمَلِ، فَهُوَ فِي مَحَلِّ الْعَفْوِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْعَمَلَ فِي الْوُجُودِ إِمَّا ظَاهِرًا وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ وَأَمَّا مَا وُجِدَ فِي الْقَلْبِ مِنَ الْعَزَائِمِ وَالْإِرَادَاتِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِالْعَمَلِ فَكُلُّ ذَلِكَ فِي مَحَلِّ الْعَفْوِ وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمُؤَاخِذَاتِ إِنَّمَا تَكُونُ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ أَلَا تَرَى أَنَّ اعْتِقَادَ الْكُفْرِ وَالْبِدَعِ لَيْسَ إِلَّا مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ: وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْعِقَابِ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَأَفْعَالُ الْجَوَارِحِ إِذَا خَلَتْ عَنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا عِقَابٌ كَأَفْعَالِ النَّائِمِ وَالسَّاهِي فَثَبَتَ ضَعْفُ هَذَا الْجَوَابِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي الْجَوَابِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُؤَاخِذُهُ بِهَا لَكِنْ مُؤَاخَذَتُهَا هِيَ الْغُمُومُ وَالْهُمُومُ فِي الدُّنْيَا، رَوَى الضَّحَّاكُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَا حَدَّثَ الْعَبْدُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ شَرٍّ كَانَتْ مُحَاسَبَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِغَمٍّ يَبْتَلِيهِ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ حُزْنٍ أَوْ أَذًى، فَإِذَا جَاءَتِ الْآخِرَةُ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ وَلَمْ يُعَاقَبْ عَلَيْهِ، وَرَوَتْ أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَأَجَابَهَا بِمَا هَذَا مَعْنَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُؤَاخَذَةُ كَيْفَ تَحْصُلُ فِي الدُّنْيَا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [غَافِرٍ: 17] . قُلْنَا: هَذَا خَاصٌّ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى ذَلِكَ الْعَامِّ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ فِي الْجَوَابِ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ وَلَمْ يَقُلْ: يُؤَاخِذْكُمْ بِهِ اللَّهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي مَعْنَى كَوْنِهِ حَسِيبًا وَمُحَاسِبًا وُجُوهًا كَثِيرَةً، وَذَكَرْنَا أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ تَفَاسِيرِهِ كَوْنَهُ تَعَالَى عَالِمًا بِهَا، فَرَجَعَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا بِكُلِّ مَا فِي الضَّمَائِرِ وَالسَّرَائِرِ،رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا جَمَعَ الْخَلَائِقَ يُخْبِرُهُمْ بِمَا كَانَ فِي نُفُوسِهِمْ، فَالْمُؤْمِنُ يُخْبِرُهُ ثُمَّ يَعْفُو عَنْهُ، وَأَهْلُ الذُّنُوبِ يُخْبِرُهُمْ بِمَا أَخْفَوْا من التكذيب والذنب. الوجه الخامس فِي الْجَوَابِ: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ فَيَكُونُ الْغُفْرَانُ نَصِيبًا لِمَنْ كَانَ كَارِهًا لِوُرُودِ تِلْكَ الْخَوَاطِرِ، وَالْعَذَابُ يَكُونُ نَصِيبًا لِمَنْ يَكُونُ مُصِرًّا عَلَى تِلْكَ الْخَوَاطِرِ مُسْتَحْسِنًا لَهَا. الْوَجْهُ السَّادِسُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ كِتْمَانُ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، وإن كان واراه عَقِيبَ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ لَا يَلْزَمُ قَصْرُهُ عَلَيْهِ. الْوَجْهُ السَّابِعُ فِي الْجَوَابِ: مَا رَوَيْنَا عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [الْبَقَرَةِ: 286] وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا النَّسْخَ إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ قُلْنَا: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ هَذَا النَّسْخِ مَأْمُورِينَ بِالِاحْتِرَازِ عَنْ تِلْكَ الْخَوَاطِرِ الَّتِي كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ دَفْعِهَا، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ التَّكْلِيفَ قَطُّ مَا وَرَدَ إِلَّا بِمَا فِي الْقُدْرَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ»وَالثَّانِي: أَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لَوْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى حُصُولِ الْعِقَابِ عَلَى تِلْكَ الْخَوَاطِرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَالثَّالِثُ: أَنَّ نَسْخَ الْخَبَرِ لَا يَجُوزُ إِنَّمَا الْجَائِزُ هو نسخ الأوامر والنواهي. واعلم أن الناس اخْتِلَافًا فِي أَنَّ الْخَبَرَ هَلْ يُنْسَخُ أَمْ لا؟ وقد ذكرنا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ (المحصول في علم أصول الفقه) وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (مفاتيح الغيب (المتوفى: 606هـ)) قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ" عَلَى أَقْوَالٍ خَمْسَةٍ: الْأَوَّلُ- أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَأَنَّهُ بَقِيَ هَذَا التَّكْلِيفُ حَوْلًا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ الْفَرَجَ بِقَوْلِهِ:" لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها". [وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَعَطَاءٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِمْ «1» [وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ" وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ" قال: دخل قلوبهم منها شي لم يدخل قلوبهم من شي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا" قَالَ: فَأَلْقَى اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا" [قَالَ:" قَدْ فَعَلْتُ «2» "] رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا [قَالَ:" قَدْ فَعَلْتُ «3» "] رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا مَا لَا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا [فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ «4» ] [قَالَ:" قَدْ فَعَلْتُ «5» "] : فِي رِوَايَةٍ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ ثُمَّ أَنْزَلَ تَعَالَى:" لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها" وَسَيَأْتِي. الثَّانِي- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ: إِنَّهَا مُحْكَمَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَهِيَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ الَّتِي نَهَى عَنْ كَتْمِهَا، ثُمَّ أَعْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْكَاتِمَ لَهَا الْمُخْفِي مَا فِي نَفْسِهِ مُحَاسَبٌ. الثَّالِثُ- أَنَّ الْآيَةَ فِيمَا يَطْرَأُ عَلَى النُّفُوسِ مِنَ الشك واليقين، وقال مُجَاهِدٌ أَيْضًا. الرَّابِعُ- أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ عَامَّةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَاللَّهُ مُحَاسِبٌ خَلْقَهُ عَلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ وَعَلَى مَا لَمْ يَعْمَلُوهُ مِمَّا ثَبَتَ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَضْمَرُوهُ وَنَوَوْهُ وَأَرَادُوهُ، فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَأْخُذُ بِهِ أَهْلَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَوْمٍ، وَأُدْخِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ما يشبه هذا. روى عن على بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ تُنْسَخْ، وَلَكِنْ إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْخَلَائِقَ يَقُولُ:" إِنِّي أُخْبِرُكُمْ بِمَا أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ" فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَيُخْبِرُهُمْ ثُمَّ يَغْفِرُ لَهُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ فَيُخْبِرُهُمْ بِمَا أَخْفَوْهُ مِنَ التَّكْذِيبِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:" يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ «1» مَنْ يَشاءُ" وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:" وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ «2» " مِنَ الشَّكِّ وَالنِّفَاقِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يُعْلِمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا كَانَ يُسِرُّهُ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ. وَفِي الْخَبَرِ:" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَذَا يَوْمٌ تُبْلَى فِيهِ السَّرَائِرُ وَتُخْرَجُ الضَّمَائِرُ وَأَنَّ كُتَّابِي لَمْ يَكْتُبُوا إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَأَنَا الْمُطَّلِعُ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُخْبَرُوهُ وَلَا كَتَبُوهُ فَأَنَا أُخْبِرُكُمْ بِذَلِكَ وَأُحَاسِبُكُمْ عَلَيْهِ فَأَغْفِرُ لِمَنْ أَشَاءُ وَأُعَذِّبُ مَنْ أَشَاءُ" فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُعَذِّبُ الْكَافِرِينَ، وَهَذَا أَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ النَّجْوَى عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، [لَا يُقَالُ «3» ] : فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ". فَإِنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَحْكَامِ الدُّنْيَا، مِثْلَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ الَّتِي لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ، وَالَّذِي ذُكِرَ فِي الْآيَةِ فِيمَا يُؤَاخَذُ الْعَبْدُ بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَقَالَ آخَرُونَ نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْعَذَابَ الَّذِي يَكُونُ جَزَاءً لِمَا خَطَرَ فِي النُّفُوسِ وَصَحِبَهُ الْفِكْرُ إِنَّمَا هُوَ بِمَصَائِبِ الدُّنْيَا وَآلَامِهَا وَسَائِرِ مَكَارِهِهَا. ثُمَّ أُسْنِدَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُ هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ (الْقَوْلُ الْخَامِسُ) : وَرَجَّحَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ: قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:" وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ" مَعْنَاهُ مِمَّا هُوَ فِي وُسْعِكُمْ وَتَحْتَ كَسْبِكُمْ، وَذَلِكَ اسْتِصْحَابُ الْمُعْتَقَدِ وَالْفِكْرِ، فَلَمَّا كَانَ اللَّفْظُ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ تَدْخُلَ فِيهِ الْخَوَاطِرُ أَشْفَقَ الصَّحَابَةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيَّنَ اللَّهُ لَهُمْ مَا أَرَادَ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى، وَخَصَّصَهَا وَنَصَّ عَلَى حُكْمِهِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، وَالْخَوَاطِرُ لَيْسَتْ هِيَ وَلَا دَفْعُهَا فِي الْوُسْعِ، بَلْ هِيَ أَمْرٌ غَالِبٌ وَلَيْسَتْ مِمَّا يُكْتَسَبُ، فَكَانَ فِي هَذَا الْبَيَانِ فَرَجُهُمْ وَكَشْفُ كُرَبِهِمْ، وَبَاقِي «4» الْآيَةِ مُحْكَمَةٌ لَا نَسْخَ فِيهَا: وَمِمَّا يَدْفَعُ أَمْرَ النَّسْخِ أَنَّ الْآيَةَ خَبَرٌ وَالْأَخْبَارُ لَا يَدْخُلُهَا النَّسْخُ، فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إِلَى تَقْدِيرِ النَّسْخِ فَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ لَهُ فِي الْحُكْمِ الَّذِي لَحِقَ الصَّحَابَةَ حِينَ فَزِعُوا مِنَ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لهم:" قولوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا" يجئ مِنْهُ الْأَمْرُ بِأَنْ يَثْبُتُوا «1» عَلَى هَذَا وَيَلْتَزِمُوهُ وَيَنْتَظِرُوا لُطْفَ اللَّهِ فِي الْغُفْرَانِ. فَإِذَا قُرِّرَ هَذَا الْحُكْمُ فَصَحِيحٌ وُقُوعُ النَّسْخِ فِيهِ، وَتُشْبِهُ الْآيَةُ حِينَئِذٍ قَوْلَهُ تَعَالَى:" إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ «2» " فَهَذَا لَفْظُهُ الْخَبَرُ وَلَكِنْ مَعْنَاهُ الْتَزِمُوا هَذَا وَاثْبُتُوا «3» عَلَيْهِ وَاصْبِرُوا بِحَسْبِهِ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَجْمَعَ النَّاسُ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الْجِهَادِ مَنْسُوخَةٌ بِصَبْرِ الْمِائَةِ لِلْمِائَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ عطية: وهذه الآية في" البقرة" أشبه شي بِهَا. وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ إِضْمَارٌ وَتَقْيِيدٌ، تَقْدِيرُهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ، وَعَلَى هَذَا فَلَا نَسْخَ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ وَأَشْبَهُ بِالظَّاهِرِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهَا عَامَّةٌ، ثُمَّ أُدْخِلَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّجْوَى، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ" يُدْنَى الْمُؤْمِنُ [يَوْمَ القيامة «4» ] من ربه عز وجل حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقْرِرُهُ بِذُنُوبِهِ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُ فَيَقُولُ [أَيْ «5» ] رَبِّ أَعْرِفُ قَالَ فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ". وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الْكَافِرِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ وَإِنْ تُعْلِنُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ وِلَايَةِ الْكُفَّارِ أَوْ تُسِرُّوهَا يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ، قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ وَمُقَاتِلٌ. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي (آلِ عِمْرَانَ) " قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ- مِنْ وِلَايَةِ الْكُفَّارِ- يَعْلَمْهُ اللَّهُ" يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ:" لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ «6» ". قُلْتُ: وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ لَا يَقْتَضِيهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بَيِّنٌ فِي" آلِ عِمْرَانَ" وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَانُوا يَأْتُونَ قَوْمَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ" لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ". (الجامع لأحكام القرآن القرطبي (المتوفى : 671هـ))

[3]  قوله: (والفعلان بالجزم عطفاً على جواب الشرط) أي الذي هو يحاسب، وقوله: (والرفع أي) على الاستئناف خبر لمحذوف قراءتان سبعيتان، وصح في غير القرآن النصب على إضمار "إن" - قال ابن مالك: والفعل من بعد الجزاإن يقترنبالفا أو الواو بتثليث قمن وهذه الآية محمولة على من مات مسلماً عاصياً لا من مات كافراً. (حاشية الصاوي) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْأَصْحَابُ قَدِ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ غُفْرَانِ ذُنُوبِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُطِيعَ مَقْطُوعٌ بِأَنَّهُ يُثَابُ وَلَا يُعَاقَبُ، وَالْكَافِرُ مَقْطُوعٌ بِأَنَّهُ يُعَاقَبُ وَلَا يُثَابُ، وَقَوْلُهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ رفع للقطع واحد مِنَ الْأَمْرَيْنِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَصِيبًا لِلْمُؤْمِنِ يَرِثُهُ الْمُذْنِبُ بِأَعْمَالِهِ. الْمَسْأَلَةُ الثانية: قرأ عاصم وابن عامر فَيَغْفِرُ، ... يُعَذِّبُ بِرَفْعِ الرَّاءِ وَالْبَاءِ، وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَبِالْجَزْمِ أَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَهُوَ يَغْفِرُ، وَأَمَّا الْجَزْمُ فَبِالْعَطْفِ عَلَى يُحَاسِبْكُمْ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ أَدْغَمَ الرَّاءَ فِي اللَّامِ فِي قوله فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : إِنَّهُ لَحْنُ وَنِسْبَتُهُ إِلَى أَبِي عَمْرٍو كَذِبٌ، وَكَيْفَ يَلِيقُ مِثْلُ هَذَا اللَّحْنِ بِأَعْلَمِ النَّاسِ بِالْعَرَبِيَّةِ.(مفاتيح الغيب (المتوفى: 606هـ)) قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" فَيَغْفِرْ- وَيُعَذِّبْ" بِالْجَزْمِ عَطْفٌ عَلَى الْجَوَابِ. وَقَرَأَ ابْنُ عامر وعاصم بالرفع فِيهِمَا عَلَى الْقَطْعِ، أَيْ فَهُوَ يَغْفِرُ وَيُعَذِّبُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَعْرَجِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَعَاصِمٍ الْجَحْدَرِيِّ بِالنَّصْبِ فِيهِمَا عَلَى إِضْمَارِ" أَنْ". وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الْمَعْنَى، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" فَيُضاعِفَهُ لَهُ" وَقَدْ تَقَدَّمَ «1» . وَالْعَطْفُ عَلَى اللَّفْظِ أَجْوَدُ لِلْمُشَاكَلَةِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: ومتى مائع مِنْكَ كَلَامًا ... يَتَكَلَّمْ فَيُجِبْكَ بِعَقْلِ - قَالَ النَّحَّاسُ: وَرُوِيَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ" يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ يَغْفِرْ" بِغَيْرِ فَاءٍ عَلَى الْبَدَلِ. ابْنُ عَطِيَّةَ: وَبِهَا قَرَأَ الْجُعْفِيُّ وَخَلَّادٌ. وَرُوِيَ أَنَّهَا كَذَلِكَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: هِيَ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ" يُحاسِبْكُمْ" وَهِيَ تَفْسِيرُ الْمُحَاسَبَةِ، وَهَذَا كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: رُوَيْدًا بَنِي شَيْبَانَ بَعْضَ وَعِيدِكُمْ ... تُلَاقُوا غَدًا خَيْلِي عَلَى سَفَوَانِ ... تُلَاقُوا جِيَادًا لَا تَحِيدُ عَنِ الْوَغَى ... إِذَا مَا غَدَتْ فِي الْمَأْزِقِ الْمُتَدَانِي - فَهَذَا عَلَى الْبَدَلِ. وَكَرَّرَ الشَّاعِرُ الْفِعْلَ، لِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِيمَا يَلِيهِ مِنَ الْقَوْلِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَأَجْوَدُ مِنَ الْجَزْمِ لَوْ كَانَ بِلَا فَاءٍ الرَّفْعُ، يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ خير نار عندها خير موقد (الجامع لأحكام القرآن القرطبي (المتوفى : 671هـ))

[4]  وَقَدْ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَنَّهُ كَامِلُ الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، وَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ أَنَّهُ كَامِلُ الْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أنه كامل القدرة مستولي عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ بِالْقَهْرِ وَالْقُدْرَةِ وَالتَّكْوِينِ وَالْإِعْدَامِ وَلَا كَمَالَ أَعْلَى وَأَعْظَمَ مِنْ حُصُولِ الْكَمَالِ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الْكَمَالَاتِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا مُنْقَادًا لَهُ، خَاضِعًا لِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ مُحْتَرِزًا عَنْ سَخَطِهِ ونواهيه، وبالله التوفيق. (مفاتيح الغيب (المتوفى: 606هـ))

  
Comments
0 Comments

Tidak ada komentar: